المنطقية إنما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادة، إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب مواد الأقيسة تقسيم المواد على وجه كلي إلى أقسام، وليست في المنطق قاعدة بها نعلم أن كل مادة مخصوصة داخلة في أي قسم من تلك الأقسام، بل من المعلوم عند أولي الألباب امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك.
ومما يوضح ما ذكرناه من جهة النقل الأحاديث المتواترة معنى الناطقة بأن الله تعالى أخذ ضغثا من الحق وضغثا من الباطل فمغثهما ثم أخرجهما إلى الناس، ثم بعث أنبياءه يفرقون بينهما ففرقتهما الأنبياء والأوصياء، فبعث الله الأنبياء ليفرقوا (1) ذلك، وجعل الأنبياء قبل الأوصياء ليعلم الناس من يفضل الله ومن يختص، ولو كان الحق على حدة والباطل على حدة كل واحد منهما قائم بشأنه ما احتاج الناس إلى نبي ولا وصي، ولكن الله عزوجل خلطهما وجعل تفريقهما إلى الأنبياء والأئمة من عباده (2).
ومما يوضحه من جهة العقل ما في شرح العضدي للمختصر الحاجبي، حيث قال في مقام ذكر الضروريات القطعية:
منها: المشاهدات الباطنية، وهي ما لا يفتقر إلى العقل كالجوع والألم.
ومنها: الأوليات، وهي ما يحصل بمجرد العقل كعلمك بوجودك وأن النقيضين يصدق أحدهما.
ومنها: المحسوسات، وهي ما يحصل بالحس.
ومنها: التجربيات، وهي ما يحصل بالعادة كإسهال المسهل والإسكار.
ومنها: المتواترات، وهي ما يحصل بالأخبار تواترا كبغداد ومكة.
وحيث قال في مقام ذكر الضروريات الظنية: إنها أنواع:
الحدسيات، كما نشاهد نور القمر يزداد وينقص بقربه وبعده من الشمس فنظن أ نه مستفاد منها.
والمشهورات، كحسن الصدق والعدل وقبح الكذب والظلم، وكالتجربيات الناقصة وكالمحسوسات الناقصة.