يتمنى البدر لو أشرق فيه، وكرم يخجل المزن الهاطل، وشيم يتحلى بها جيد الزمن العاطل. وكان له في مبدأ أمره بالشام بحال لا يكذبه برق العز إذا شام، ثم انثنى عاطفا عنانه وثانيه، فقطن بمكة وهو كعبتها الثانية، ولقد رأيته بها وقد أناف على التسعين والناس تستعين به ولا يستعين، وكانت وفاته [لثلاث عشرة بقين من ذي الحجة الحرام] (1) سنة 1061 (2) وله شعر يدل على علو محله. انتهى (3). وأورد له شعرا كثيرا، منه قوله من قصيدة:
يا من مضوا بفؤادي عند مارحلوا * من بعد مابسويدا القلب قد نزلوا جاروا على مهجتي ظلما بلا سبب * يا ليت شعري إلى من في الهوى عدلوا في أي شرع دماء العاشقين غدت * هدرا وليس لهم ثار إذا قتلوا وقوله مادحا بعض الأمراء من قصيدة:
لك المجد والإجلال والجود والعطا * لك الفضل من نعمى لك الشكر واجب سموت على هام المجرة رفعة * ودارت على عليا علاك الكواكب أقول: وقد رأيته في بلادنا وحضرت درسه بالشام أياما يسيرة وكنت صغير السن، ورأيته بمكة أيضا أياما وكان ساكنا بها أكثر من عشرين سنة، ولما مات رثيته بقصيدة طويلة ستة وسبعين بيتا، نظمتها في يوم واحد، وأولها:
على مثلها شقت حشا وقلوب * إذا شققت عند المصاب جيوب لحا الله قلبا لا يذوب لفادح * تكاد له صم الصخور تذوب جرى كل دمع يوم ذاك مرخما * وضاق قضاء الأرض وهو رحيب على السيد المولى الجليل المعظم * النبيل بعيد قد بكى وقريب خبا نور دين الله فارتد ظلمة * إذا اغتاله بعد الطلوع مغيب فكل جليل بعد ذاك محقر * وكل جميل بعد ذاك معيب ومن ذا يقوم الليل لله داعيا * إذا عز داع في الظلام منيب