أحكام الراجعين إلى الحق حسب اختلاف حالاتهم في هذه الأسفار، واختلفت الشرائع الإلهية لاختلاف مقاماتهم:
فمن سافر من بيت النفس المظلمة بالمرة، وجاهد في الله حق جهاده، وتوجه إليه توجها تاما بجميع شؤونه وأحكام وجوده، هو النبي الإسلامي الخاتم، محمد بن عبد الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) روحي وروح العالمين لتراب قدمه الفداء، وقد صاحبه في هذه السفرة الأنوار الاخر والأئمة الاثنا عشر بوحدة نورانية، حشرنا الله تعالى معهم، ورزقنا الله شفاعتهم.
فإذا طلع لك هذه الحقائق وظهر عليك تلك الرقائق المبرهنة في مقاماتها والمشفوعة بالمشاهدات العرفانية عند أهلها، فإليك الآيات الأخيرة من هذه السورة الجامعة: فإن المنعم عليهم هم الذين رجعوا عن السفرة الثالثة إلى الشهود، ومن الفناء الذاتي والصفاتي والأفعالي إلى البقاء ببقاء الله، ومن الباطن والغيب المطلق إلى الظاهر والشهادة المطلقة، فهم المهتدون الحقيقيون الذين يطلب السالك أن يهتدي بهداهم ويقتدي بهم.
والمغضوب عليهم هم الذين لم يخرجوا من سجن الطبيعة، ولم يتحركوا إلى دار العزة والاهتداء، وانغمروا في الشهوات والرذائل، وانغمسوا في الخبائث والمادة، ولم يدركوا من الغيب شيئا ولا من الحقيقة أمرا، ولم يذوقوا من أطعمة الآخرة، ولا من لذائذ القيامة، حتى ماتوا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا.
وأما الضالون المتحيرون الباقون في السفرة الثانية والثالثة، ولم تدركهم العناية الإلهية بالخروج من جلباب الحجب النورانية، فلم