أقول: لا شبهة في وفور نعم الله تعالى على الكفار من نعمة الوجود وكمالاته الدنيوية، ولا شبهة في اتصافهم بالكمالات الحقيقية المعنوية الأخروية إذا كانوا غير معاندين، بل ورد أن مثل حاتم في النار وعليه حلقة تمنع أن تمس جسمه وهي حلقة السخاوة، فما توهمه هؤلاء الفضلاء فهو لعدم غورهم في المسائل الحقيقية ولعدم اطلاعهم على حقائق النعم الإلهية في الدار الآخرة، فظنوا أن نعم الدنيا شئ لا ينبغي للكافر، أو لا يعطيهم الله - تعالى عن ذلك - غفلة عن التوحيد الأفعالي، فإن كل موجود وجوده من الله، وكمال وجوده منه تعالى * (وما بكم من نعمة فمن الله) * (1)، * (وما أصابك من حسنة فمن الله) * (2)، * (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين) * (3)، * (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) * (4).
فيعلم من هذه الآيات أن النعم النازلة على الكفار هي من قبل الله تعالى، وفي بعض رواياتنا: أنه لولا المخافة على إيمان المؤمنين لجعلنا ميزابهم من الذهب (5).