مثله قوله: " مثلا ما بعوضة " (1) وفيه القولان. والتقدير فبنقض هؤلاء الذين وصفهم من أهل الكتاب وميثاقهم يعني عهودهم التي عاهدوا الله عليها أن يعملوا بما في التوراة " وكفرهم بآيات الله " يعني جحودهم بآيات الله. وهي اعلامه، وأدلته التي احتج بها عليهم في صدق أنبيائه، ورسله " وقتلهم الأنبياء بغير حق " يعني وقتلهم الأنبياء بعد قيام الحجة عليهم بصدقهم بغير حق يعني بغير استحقاق منهم، لكبيرة أتوها ولا خطيئة استوجبوا بها القتل. وقتل الأنبياء، وإن كان لا يكون إلا بغير حق، فإنما أكده بقوله: " بغير حق " ومعناه ما قدمنا القول فيه أنه لا يكون ذلك إلا بغير حق، كما قال: " ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به " والمعنى إن هذا لا يكون عليه برهان. ومثله قول الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمناره (2) وإنما أراد لا منارها هناك يهتدى به. وقد استوفينا ما في ذلك فيما مضى " وقولهم قلوبنا غلف " تقديره يقولون: قلوبنا عليها غشاوة وأغطية لا نفقه ما تقول، ولا نعلق له، فأكذبهم الله في ذلك وقال الفراء والزجاج: معناه قلوبنا أوعية للعلم لا نفقة ما تقول. وقد بينا معنى الغلف فيما مضى. قوله: " بل طبع الله عليها بكفرهم " والمعنى كذبوا في قولهم قلوبنا غلف ما هي بغلف، ولا عليها أغطية، بل طبع الله عليها بكفرهم. وقد بينا معنى الطبع فيما مضى. وهو أنه السمة والعلامة وسم الله تعالى وعلم على قلوب قوم من الكفار الذين علم من حالهم أنهم لا يؤمنون فيما بعد، وجعل ذلك عقوبة لهم على كفرهم الذي ارتكبوه في الحال تعرفه الملائكة. وقوله: " فلا يؤمنون إلا قليلا " معناه فلا يصدقون الا تصديقا قليلا. وإنما وصفه بالقلة لأنهم لم يصدقوا على ما أمرهم الله به لكن صدقوا ببعض الأنبياء، وبعض الكتب وكذبوا بالبعض، فكان تصديقهم بما صدقوا به قليلا، لأنهم، وان صدقوا به من وجه، فهم يكذبون به من وجه آخر. ويجوز.