ما قص، فقال: " فقد سألوا موسى أكبر من ذلك " يعني سأل اسلاف هؤلاء اليهود موسى (ع) أعظم مما سألوك فقالوا أرنا الله جهرة أي عيانا نعاينه وننظر إليه.
وقد بينا معنى الجهرة فيما مضى. وحكي عن ابن عباس أنه قال: فيه تقديم وتأخير، وتقديره إنما قالوا جهرة أرنا الله: وهو الذي اختاره أبو عبيدة. وقال غيره: أراد رؤية بالبصر ظاهرة منكشفة، لان من علم الله فقد رآه. وهو اختيار الزجاج لقوله تعالى: " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " وقول ابن عباس يدل على أنه كان يذهب إلى استحالة الرؤية عليه تعالى، لان على تأويله بنفس سؤال الرؤية، اخذتهم الصاعقة دون رؤية مخصوصة على ما يذهب إليه من قال بالرؤية. وقوله: " فاخذتهم الصاعقة بظلمهم " يعني فصعقوا بظلمهم أنفسهم عن سؤالهم موسى ان يريهم الله، لان ذلك مما هو مستحيل عليه (تعالى) وفي ذلك دلالة واضحة على استحالة الرؤية عليه (تعالى) واستعظام لتجويزها، لأنهم كانوا يكفرون به ويجحدونه ولم ينزل عليهم الصاعقة، فلما سألوا الرؤية أنزلها عليهم. وفي ذلك دلالة على أن أصل كل تشبيه تجويز الرؤية عليه تعالي على قوله أبي على. وقد بينا معنى الصاعقة فيما مضى، فلا نطول بإعادته.
وقوله: " ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات " معناه، ثم اتخذ هؤلاء الذين سألوا موسى ما سألوا من رؤية الله بعد ما أحياهم وبعثهم من صعقتهم - العجل الذي كان السامري أضلهم به. وقد بينا فيما مضى السبب الذي من اجله اتخذوا العجل، وكيف كان أمرهم. وقوله: " من بعد ما جاءتهم البينات " معناه من بعد ما جاءت هؤلاء الذين سألوا موسى البينات من الله، ومن الدلالات الواضحات بان الرؤية مستحيلة عليه، ومنها اصعاق الله إياهم عند مسألتهم موسى يريدون ان يريهم ربهم جهرة، ثم احياؤه إياهم بعد مماتهم مع غيره من الآيات التي أراهم الله دلالة على ذلك، فقال الله مقبحا فعلهم، وموضحا عن جهلهم ونقص عقولهم باقرارهم للعجل بأنه الههم، وهم يرونه عيانا، وينظرون إليه، فعكفوا على