المعنى:
نفى الله تعالى في هذه الآية ان يقدر أحد من عباده على التسوية بين النساء والأزواج في حبهن والميل إليهن حتى لا يكون ميله إلى واحدة منهن الأمثل ما يميل إلى الأخرى. لان ذلك تابع لما فيه من الشهوة، وميل الطبع. وذلك من فعل الله تعالى، ولا صنع للخلق فيه، وان حرص على ذلك كل الحرص. وليس يريد بذلك نفي القدرة على التسوية بينهن في النفقة، والكسوة والقسمة، لأنه لو كان كذلك لما امر الله تعالى بالتسوية في جميع ذلك، لأنه تعالى لا يكلف العبد ما لا يطيقه. كما قال: " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " (1) وقال: " لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها " (2) ولا تجوز المناقضة في كلامه تعالى. ولو حملنا على أنه نفى الاستطاعة في التسوية بينهن في النفقة، جاز أن يكون المراد به ان ذلك لا يخف عليكم بل يثقل ويشق عليكم تسويتهن، لميلكم إلى بعضهن، فأباح الله تعالى حينئذ ورخص ان يفضل بعضهن على بعض في ما زاد على الواجب من القسمة والنفقة، ولا يؤاخذه بذلك.
وقوله: " فلا تميلوا كل الميل " معناه فلا تعدلوا بأهوائكم عمن لم تملكوا محبته منهن كل الميل حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهن عليكم من حق القسمة، والنفقة والكسوة، والعشرة بالمعروف، " فتذروها كالمعلقة "، يعني تذروا التي لا تميلون إليها كالمعلقة يعني كالتي هي لا ذات زوج، ولا هي أيم. وبه قال مجاهد وعبيدة، والحسن وابن عباس، وقتادة وابن زيد والضحاك وسفيان، والطبري والجبائي والبلخي وغيرهم. وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبى عبد الله (عليه السلام). وروى أبو ملكية أن الآية نزلت في عائشة وروى أبو قلابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه كان يقسم بين نسائه ويقول: اللهم هذه قسمتي في ما أملك فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك وقوله:
" وان تصلحوا " يعني في القسمة بين الأزواج والتسوية بينهن في النفقة،