والجمع، كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب (1) ولم يقل: فجلودها، ولو قال: (فان طبن لكم عن شئ منه) أنفسا لمجاز، وكذلك ضقت به أذرعا وذراعا. فأما قوله: (بالأخسرين أعمالا) (2) إنما جمع لئلا يوهم أنه عمل يضاف إلى الجميع، كما يضاف القتل إلى جماعة إذا رضوا به، ومالأوا عليه. ومثل الآية: أنت حسن وجها، فالفعل للوجه، فلما نقل إلى صاحب الوجه، نصب الوجه على التمييز. وقوله: (فكلوه هنيئا مريئا) فهنيئا مأخوذ من هنأت البعير بالقطران، وذلك إذا جرب فعولج به، كما قال الشاعر:
متبذلا تبدو محاسنه * يضع الهناء مواضع النقب (3) فالهني شفاء من المرض، كما أن الهناء شفاء من الجرب. ومعنى (فكلوه هنيئا مريئا) أي دواء شافيا، يقال منه: هنأني الطعام ومرأني: إذا صار لي دواء وعلاجا شافيا، وهنيني ومريني بالكسر، وهي قليلة، ومن قال: هناني يقول في المستقبل: يهناني، ويمراني، ومن يقول: هنأني، يقول يهنئني، ويمرئني، فإذا أفردوا قالوا:
قد أمراني هذا الطعام، ولا يقولون: أهنانى، والمصدر منه هنا، مرا، وقد مرؤ هذا الطعام مرا، ويقال: هنأت القوم إذا علتهم، وهنأت فلانا المال إذا وهبته له، أهنؤه هنا، ومنه قولهم: إنما سميت هانيا لتهنأ، أي: لتعطي، ومعنى قوله: (فان طبن لكم عن شئ منه) يعني من المهر، و " من " ههنا ليست للتبعيض وإنما معناه لتبيين الجنس، كما قال (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) (5)