صرف عنهم، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا لما خفيت أصواتهم عندهما (1)، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار إليه القوم فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون والحماة [والحمارة] والرعاة بأغنامهم، ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا: يا تنوخا كذبني الوحي وكذبت وعدي لقومي، ولا عزة لي ولا يرون لي وجها أبدا (2) بعدما كذبني الوحي.
فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية البحر مستنكرا (3) فرارا من أن يراه أحد من قومه فيقول له: يا كذاب، فلذلك قال الله: * (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) * الآية ورجع تنوخا إلى القرية فلقي روبيل فقال له: يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب وأحق أن يتبع؟ رأيي أو رأيك؟ فقال له تنوخا بل رأيك كان أصوب، ولقد كنت أشرت برأي الحكماء العلماء (4) فقال له تنوخا: أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي حتى استبان فضلك لفضل علمك، وما أعطاك الله ربك من الحكمة مع التقوى أفضل (5) من الزهد والعبادة بلا علم، فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ومضى يونس على وجهه مغاضبا لربه، فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله: * (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) *.
قال أبو عبيدة: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه؟ قال: أربعة أسابيع، سبعا منها في