أفخرها وآلته وثيابه وقماشه أفخر شئ، فحين رآني قال فلان فعلمت أن حاله صلحت وقبلت فخذه وقلت سيدي أبو فلان. قال: نعم. فقلت أي شئ هذا؟ قال صنع الله عز وجل وله الحمد والشكر البيت. البيت. قال فتبعته حتى انتهيت إلى بابه فإذا الدار الأولى قد رمها وجصصها وطبقها وبنى فيها مجلسين متقابلين وخزائن ومستراحا وجعل ما كان في الدار من البيوت والمجالس صحنا كبيرا وقد صارت طيبة إلا أنها ليست بذلك السرور الأول، وأدخلني حجرة كان يخلو فيها قديما وأعادها كأحسن ما كانت وفيها فرش حسنة، ولكن ليس من ذلك الجنس الأول، وليس في داره إلا ثلاث غلمان وخادم قد كنت أعرفه لأبيه قد رده وأقامه على حرمه، وشيخ بواب ممن كان يصحبهم قديما، ووكيل يتسوق له فجلس وأجلسني، وجاؤنا بفاكهة حسنة نظيفة قليلة في آلة مقتصدة مليحة، ثم جاؤوا بعدها بطعام نظيف كاف غير مسرف ولا مقصر، فأكلنا ثم نام ولم تكن تلك عادته ومدت ستار، وأحضرت مشام ورياحين في صيوان وزبدات والجميع متوسط غير مسرف وانتبه فصلى وتبخر بقطعة ند جديدة وبخرني بمثلها: فقلت يا سيدي: ما هذه الترتيبات التي لست أعرفها؟. فقال: دع ما مضى وخذ ما نحن فيه وأقبل يشرب وغنى من وراء ستارة ثلاث جوار في نهاية طيب الغناء كل واحدة منهن أحسن وأطيب من التي أتلف عليها ماله، فلما طابت نفسي ونفسه قال يا أبا فلان: تذكر زماننا الأول؟ قلت نعم. قال أنا الآن في همة متوسطة وما أفدته من العقل والعلم بأمر الدنيا ليسليني عما ذهب منى، وهو ذا ترى فرشي وثيابي، ومركبي، فلم يكن ذلك بالعظيم المفرط ففيه جمال وبغال، وتنعم وكفاية وهو مغن عن ذلك الاسراف والتبذير وقد تخلصت من تلك الشدة الشديدة تذكر يوم عاملتني فلانة المغنية لعنها الله تعالى بما عاملتني به.
قلت: نعم. والحمد لله الذي كشف عنك ذلك. فمن أين هذه النعمة؟ قال مات خادم كان مولى لأبي وابن عم في يوم واحد فحصل لي من تركتهما أربعون ألف دينار وصل أكثرها وأنا بين القطن كما رأيتني، فحمدت الله تعالى واعتقدت التوبة من التدبير السيئ، وأنا أدبر ما رزقته فعمرت هذه الدار