لنا بنصيبين قال: خرجت من نصيبين بسيف نفيس كنت ورثته عن أبي أقصد به عباس بن عمرو السلمى أمير ديار ربيعة، وهو برأس العين لأهديه له، واستجديه بذلك، فصحبني في الطريق شيخ من شيوخ الاعراب فسألني عن أمري، فآنست به فحدثته الحديث، وكنا قد قربنا من العين فدخلناها وافترقنا، وكان يجيئني ويراعيني، ويظهر لي أنه مسلم على وأنه يبرني بالقصد ويسألني عن حالي، فأخبرته أن الأمير قبل هديتي وأجاز لي بألف درهم وثياب، وإني أريد الخروج يوم كذا وكذا. فلما كان ذلك اليوم خرجت عن البلد راكبا حمارا، فلما أصحرت إذا بالشيخ على دويبة ضعيفة متقلدا سيفا، فحين رأيته استربت منه وأنكرته، ورأيت الشر في عينيه، فقلت: ما تصنع هاهنا؟ فقال: قضيت حوائجي وأريد الرجوع، وصحبتك عندي آثر من صحبة غيرك. فقلت: على اسم الله تعالى، وما زلت متحذرا منه وهو مجتهد أن ادنو منه فلا أفعل، وكلما دنى من بعدت عنه إلى أن سرنا شيئا يسيرا، وليس معنا ثالث فقصر عنى، واحثثت الحمار لأفوته فما حسيت إلا بركضة فالتفت فإذا هو قد جرد سيفه، وقصدني فرميت بنفسي عن الحمار وعدوت، فلما خاف أن أفوته صاح: يا أبا القاسم إنما مزحت معك فلم ألتفت إليه فقرع دابته وزاد في التحريك، وبان لي ناووس فطلبته، وكاد الاعرابي يلحق بي فدخلت الناووس ووقفت وراء بابه. قال: ومن صفات تلك النواويس أنها مبنية بالحجارة، وباب كل ناووس حجر واحد عظيم قد نقر وجفف وملس فلا تستمكن اليد منه، وله في وجهه حلقة وليس من داخله شئ تتعلق اليد به وإنما يدفع من خارجه فينفتح فيدخل إليه وإذا خرج منه وجذبت الحلقة انغلق الباب وتمكن اردامه من ورائه فلم يمكن فتحه من داخل قال فحين دخلت الناووس وقفت خلف بابه، وجاء الاعرابي فشد دابته في حلقة، ودخل يريدني مخترطا سيفه والناووس مظلم فلم يرني ومشى إلى صدر الناووس فخرجت أنا من خلف الباب وجذبته معي حتى صار الباب مردودا وحصلت الحلقة في ردة هناك وحللت الدابة وركبتها وجاء الاعرابي إلى باب الناووس فرأى الموت عيانا فقال: يا أبا القاسم اتق الله في أمري
(٢٦٠)