الانفراد وربما يجمع بيني وبين البريدي، فلما رضى عن إبراهيم بن المهدي ونادمه صار لا يكاد يشرب مع غيره وغيري ويقتصر على استماع الغناء من وراء الستاير وربما حضر إسحاق بن إبراهيم الموصلي فنحن ذات يوم على شرب ومعنا إسحاق إذ غنى إبراهيم بن المهدى فقال:
صونوا جيادكم واجلوا سلاحكم * وشمروا انها أيام من غلبا فاستعاده المأمون مرارا وبان لي في وجهه الغيظ والغضب والهم وزوال الطرب ولم يفطن إبراهيم وترك المأمون القدح الذي كان في يده ونهض فظنناه يريد الوضوء ثم عاد فما شعرنا إلا وقد استدعانا إلى مجلس آخر فإذا هو جالس على سرير الخلافة بقلنسوة وثياب الهيبة وبين يديه إسحاق بن إبراهيم المصعبى وجلة القواد فاستدعى إبراهيم بزيه فحضر بأخس صورة وأقبحها وعليه ثياب المنادمة يفضحه بذلك. فلما وقف بين يديه قال: يا إبراهيم ما حملك على الخروج على والخطبة لنفسك بالخلافة؟ قال أحمد بن يوسف وقد كنت لما أبطأ المأمون عن مجلس الشرب عرفت الصورة، فلما استدعاني جئت وقد لبست ثياب العمل ومحيت ثياب المنادمة، فلما سئل إبراهيم ذلك بمثل ذلك المجلس علمت أن الصوت قد ذكره، فأقبل عليه إبراهيم بوجه ضيق وقلب ثابت فقال يا أمير المؤمنين: لست أخلو من أن أكون عندك عاقلا أو جاهلا، فان كنت جاهلا فقد سقط عنى اللوم من الله تعالى ثم منك. وإن كنت عاقلا فيحسن أن تعلم أنى قد علمت أن محمدا أخاك مع أمواله وذخائره وأموال والدته وكثرة ضياعها وصنائعها والأعمال التي كانت في يديه وارتفاعها ومحبة بني هاشم له لم يثبت لك وهو خليفة وأنت أمير من أمرائه، فكيف أثبت أنا لك وأنا في قوم أكثر رزق الرجل ثلاثون درهما في الشهر وقد غلبني على بغداد بن أبي خالد العياد وأصحابه يقطعون ويضربون ويحبسون ويطلقون، ووالله جل شأنه، وحق رسول الله وحق جدي العباس ما دخلت فيما دخلت فيه إلا لأبقى هذا الامر عليك وعلى أهل بيتك لما رأيت الحسن ابن سهل قد حمله البطر والرفض على أن يخرج الخلافة عنك، فأردت ضبط الامر إلى أن أتقدم فتسلمته. قال: فرأيت المأمون وقد اصفر وجهه فقال