فقال يا أمير المؤمنين: إن قتلته وجدنا مثلك قد قتل مثله كثيرا، وإن عفوت لم نجد مثلك عفى عن مثله فأيما أحب إليك أن تفعل فعلا تجد لك فيه شريك أو تنفرد بالفضل؟! فأطرق المأمون مليا ثم رفع رأسه. فقال: أعد ما قلت يا أحمد؟ فأعاد فقال بل منفرد بالفضل ولا رأى لنا في الشركة فكشف إبراهيم المقنعة عن رأسه وكبر تكبيرة عالية وقال قد عفى والله أمير المؤمنين بصوت كاد الإيوان أن يتزعزع، وكان إبراهيم طويلا ادم جعد الشعر جهير الصوت فقال له المأمون: لا بأس عليك يا عم وأمر بحبسه في دار أحمد بن أبي خالد فلما كان بعد شهر أحضره المأمون فقال اعتذر من ذنبك. فقال يا أمير المؤمنين ذنبي أجل من أن أتفوه فيه بعذر، وعفو أمير المؤمنين أعظم من أن أنطق بشكر ولكني أقول:
تفديك نفسي أن تضيق بصالح * والعفو منك بفضل خلق واسع إن الذي خلق المحارم حازها * في صلب آدم للامام السابع ملئت قلوب الناس منك مهابة * وتظل تكلؤهم بقلب خاشع فعفوت عمن لم يكن عن مثله * عفو ولم أشفع إليك بشافع ورحمت أطفالا كأفراخ القطا * وحنين والدة يقلب جازع فقال المأمون: لا تثريب عليك يا عماه قد عفوت عنك فاستأنف الطاعة ورد ماله وضياعه فقال إبراهيم يشكره رددت مالي ولم تبخل على به * وقبل ردك مالي قد حقنت دمى أمنت منك وقد خولتني نعما * نعم الحياتان من موت ومن عدمي فلو بذلت دمى أبغى رضاك به * والمال حتى اسل النعل عن قدمي ما كان ذاك سوى عارية رجعت * إليك لو لم تعرها كنت لم تلم وقام علمك بي فاحتج عندك لي * مقام شاهد عدل غير متهم فقال المأمون: إن من الكلام كلاما كالدر وهذا منه. وأمر له بخلع ومال قيل إنه ألف ألف درهم. وقال له إن أبا إسحاق وولدي أشارا بقتلك. فقال إبراهيم فما قلت لهما يا أمير المؤمنين؟ قال قلت لهما إن قرابته قوية ورحمه ماسة وقد ابتدأنا بأمر فينبغي أن نستتمه فان نكث فالله مغير ما به. قال إبراهيم: