ثم دخلت فأبطأت حتى قلت قد كرهت دخولي وستخرج من يصرفني وتعتذر وهممت بالانصراف من نفسي فإذا بها قد خرجت وقالت أرعبتك بالانتظار وما كان ذلك إلا احتياطا لك فادخل فدخلت فإذا دارها الأولى فارغة على عظمها وليس فيها أحد فسلكت بي وبالعجوز إلى موضع من الدار فدخلنا حجره وأقفلتها بيدي ومشيت بين أيدينا حتى انتهينا إلى سرداب فأدخلتنا فيه ومشينا طويلا وهي بين أيدينا حتى صعدت منه إلى درجة أفضت بي منها إلى دار في نهاية الحسن والشرف وفيها من الآلات والفرش كل شئ حسن وقالت إنما احتسبت عليك حتى أصلحت لك هذه الدار وأخليت الأولى لئلا يراك الذين كانوا فيها فيعرفون خبرك فأخبرك فاجلس هاهنا ما شئت فوالله إنك لتسرني بذلك واحفظ نفسك من أن ينتشر خبرك من جهتك فليس معك من جهتي من يعرف خبرك فيشفيه ولا أعرفه أحد من أسبابي واحتفظ لنفسك ممن يخرج من عندك أو يدخل عليك فتهلك نفسك وتهلكني معك فإنك تعلم أن هذا الرجل ظالم جاهل لا يعرف حق مثلي فقلت لها ما معي غير هذه العجوز ولست أدعها تخرج فقالت هذا هو الصواب وأقمت عندها مدة وكانت تجيئني كل يوم فتعرفني أخبار الدينا وتحادثني ساعة وتنصرف وتحمل إلى كل شئ فاخر من المأكول والمشروب والبخور وأخدم بما لا أخدم بمثله في أيام دولتي فلما كان في غد يوم حصولي عندها قالت يا أبا جعفر أنت وحدك وليس يصلح أن يخدمك كل واحد وقد حملت إليك هذه الجارية وأومأت إلى وصيفة في غاية الحسن والملاحة فاستخدمها فإنها تقوم مقام فراشة وقد أهديتها لك فإن احتجت إلى ما تحتاج إليه الرجال صلحت لذلك أيضا فقبلتها وشكرتها وفاتشت الجارية فإذا هي تغنى أحسن غناء وأطيبه فكان عيشي معها أطيب عيش ومضى على استتاري نحو شهرين لا يخرج من عندي أحد ولا يدخل عندي غير الخالة فقلت لها قد تطلعت نفسي إلى معرفة الاخبار وإنفاذ هذه العجوز إلى من تتعرف ذلك منه قالت افعل واحتفظ جهدك فكتبت مع العجوز كتابا إلى وكيل كان لي أثق به آمره أن يتعرف لي الاخبار ويكتب بها إلى مع العجوز ورسمت له أن ينفذ طيورا
(٣٦٧)