في حدود دير العاقول. قال: وانحدرت أريد واسطا وقد كان قيل لي قبل اصعادي أن في الطريق لصا يعرف بالكرخي وكنت خرجت من واسط بطالع أخذته على موجب تحويل مولدي لتلك السنة وقد استظهرت فيه عند نفسي وكفاني الله تعالى في اصعادي أمر اللص فلم أر له أثرا فلما انحدرت إلى واسط في بعض الطريق خرج علينا اللصوص في سفن عدة ونشاب وسلاح شاك وهم نحو مائة نفس كالعسكر العظيم، وكان معي من غلماني من يضرب النشاب فحلفت أن من يرمى منهم ضربته إذا صرت في البلد مائتي مقرعة وذلك أنى خفت أن يقصدنا اللصوص فلا يرضوا إلا بقتلى من دونهم وبادرت وأخذت ذلك السلاح الذي كان معهم فرميت به في الماء واستسلمت للامر طلبا للسلامة وجلست أفكر في الطالع فإذا ليس ما يوجب عنده القطع على والناس قد أدبروا إلى الشط وأنا في جملتهم حيث تفرغ سفنهم وينقل ما فيها إلى الشط وهم يخبطون بالسيوف وكنت في وسط الكار فانتهى الامر إلى فعجبت من حصول القطع وأن الطالع لا يوجبه ولست أتهم عملي فأنا كذلك وإذا بسفينة فيها رئيسهم قد طرح على زيربي كما كان يطرح على سفن التجار ليشرف على ما يؤخذ منها فحين رآني منع أصحابه من انتهاب شئ من زيربي وصعد وحده إلى فتأملني طويلا ثم انكب فقبل يدي وكان متلثما فلم أعرفه فارتعت. وقلت: يا هذا مالك؟ فقال لي أما تعرفني يا سيدي؟ فتأملته وأنا جزع فلم أعرفه. فقلت: لا والله. قال بلى: وأنا عبدك ابن فلان الكرخي حاجبك، وأنا الصبي الذي ربيت في دارك وربيتني وكنت تحملني على كتفك وتطعمني بيدك. قال: فتأملته فإذا الخلقة خلقته، إلا أن اللحية غيرته في عيني، فسكن روعي. وقلت يا هذا: كيف بلغت إلى هذا الحال. قال: نشأت فلم أتعلم غير معالجة السلاح وجئت إلى بغداد اطلب الديوان فما قبلني أحد فانضفت إلى هؤلاء وطلبت الطريق فلو كان أنصفني السلطان ونزلني بحيث أستحق من الشجاعة لانتفع بخدمتي، وما فعلت هذا.
ثم قال يا سيدي هل رأيت أحدا من القوم أخذ منك شيئا. فقلت: ما ذهب إلا سلاح رميته في الماء وشرحت له الصورة فضحك وقال: والله أصاب القاضي