ثم جفت رجلاي ثم عميت ثم خرست. فكنت على هذه الحال ملقى سنة كاملة لم يبق لي جارحة صحيحة إلا سمعي أسمع به ما أكره، وأنا طريح على ظهري، ولا أقدر على كلام، ولا إيماء، ولا حركة أسقى وأنا ريان وأطعم وأنا شعبان، وأترك وأنا جائع. فلما كان بعد سنة دخلت امرأة إلى زوجتي وقالت:
كيف أبو علي؟ فقالت لها زوجتي: لا هو حي فيرجى، ولا ميت فيسلى.
فأقلقني ذلك وآلم قلبي ألما شديدا، وضججت إلى الله عز وجل في سرى بالدعاء، وكنت في جميع تلك العلل لا أجد ألما في نفسي فلما كان بقية ذلك اليوم ضرب على جسدي ضربا شديدا كاد يتلفني، ولم أزل على ذلك الحال إلى أن دخل الليل وانتصف، وخف الألم قليلا فنمت فما أحسست إلا وقد انتبهت وقت السحر وإحدى يداى على صدري فتعجبت من ذلك في نفسي وقلت:
كيف صارت يدي على صدري، ومن رفعها إليه؟! وكانت طول هذه المدة مطروحة على فراشي لا ترفع؟ إلا أن شالها أحد لي ثم وقع في قلبي تحريكها فتحركت ففرحت فرحا شديدا وقوى طمعي في فضل الله عز وجل بالعافية فحركت الأخرى فتحركت فقبضت إحدى رجلي فانقبضت فرددتها فرجعت وفعلت مثل ذلك بالأخرى، ورمت الانقلاب من غير أن يقلبني أحد كما كان يفعل بي فانقلبت بنفسي فجلست، ورمت القيام فأمكنني فقمت فنزلت من على السرير الذي كنت مطروحا عليه، وكان في بيت من الدار فمشيت أتلمس الحائط من الظلمة لأنه لم يكن هناك سراج إلى أن وقفت على الباب، وأنا لا أطمع في بصرى فخرجت من البيت إلى صحن الدار فرأيت السماء والكواكب مزهرة، وكدت أموت فرحا وانطلق لساني وقلت يا قديم الاحسان لك الحمد، ثم صحت بزوجتي فقامت وقالت: أبو علي. فقلت لها: الساعة صرت أبو علي اسرجي فأسرجت فقلت: جيئيني بمقراض فجاءت به فقصصت شاربا كان لي بزي الجند فقالت زوجتي: ما تصنع الساعة؟ تعبك رفقاؤك فقلت: بعد هذا لا أخدم غير ربى، فانقطعت إلى الله عز وجل، وخرجت من الدار وطلقت الزوجة، ولزمت عبادة ربى. وقال أبو الحسن: خبر هذا معروف مشهور، وكانت هذه الكلمة لا تفارقه، وهي: يا قديم الاحسان