أكلت منها شيئا أن أتلف فأستريح مما أنا فيه. فقلت لبعضهم: أطعمني من هذه الحيات. فرمى إلى واحدة منها مشوية فيها أرطال فأكلتها بأسرها وأمعنت طالبا للموت فأخذني نوم عظيم. فانتبهت وقد عرقت عرقا عظيما واندفعت طبيعتي فقمت في بقية يومى وليلتي أكثر من مائة مجلس إلى أن سقطت طريحا وجوفي يجرى. فقلت: هذا طريق الموت وأقبلت أتشهد وأدعو الله عز وجل بالمغفرة. فلما أضاء الصبح تأملت بطني فإذا هي قد ضمرت وزال عنها ما كان بها.
فقلت أي شئ ينفعني من هذا وأنا ميت فلما أضحى النهار وانقطع القيام وجبت صلاة الظهر فلم أحس بقيام وجعت فجئت لأزحف على العادة فوجدت بدني خفيفا وقوتي صالحة فتحاملت فمشيت فطلبت منهم مأكولا فأطعموني فقويت فبت في الليلة الثانية معافا ما أنكر شيئا من أمرى فأقمت أياما إلى أن وثقت من نفسي بأنى إن مشيت نجوت فأخذت الطريق من بعضهم إلى أن صرت على المحجة ثم سلكتها إلى الكوفة مشيا.
حدثني أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن المرزبان الشيرازي الكاتب، قال:
حدثني القاضي أبو بكر الجعابي الحافظ، قال: دخلت يوما على القاضي أبى الحسين ابن القاضي أبى عمر رحمهما الله وهو مغموم فقلت: لا يغم الله قاضى القضاة ما هذا الحزن الذي أراه به؟ قال: مات يزيد المائي. فقلت: يبقى الله قاضى القضاة، ومن يزيد الماتى حتى إذا مات اغتم عليه قاضى القضاة هذا الغم كله؟ فقال ويحك:
مثلك يقول هذا في رجل أوجد لنا صناعة فخيمة. قد مات وما ترك في حذقه أحد وهل تفخر البلدان الا بكثرة رؤساء الصنائع وحذاق أهل العلوم فيها فإذا مضى رجل لا مثيل له في صناعته لابدل الناس فرحهم بالترح، وهل يدل هذا إلا على نقصان العالم، وانحطاط البلدان. قال: ثم أقبل يعدد فضائله والأشياء الظريفة التي عالج بها، والعلل الصعبة التي زالت بتدبيرها فذكر من ذلك أشياء كثيرة كان منها إذ قال: لقد أخبرني مذ مدة رجل من جلة أهل هذه البلد أن كان حدث بابنة له علة فكتمت أمرها ثم اطلع عليها أبوها فكتمها هو مدة ثم انتهى أمر البنت إلى حد الموت قال: فقلت لا يصح ترك