الفواحش التي نهى الله عز وجل عنها، الخمر والميسر، والزنا والربا، والميتة والدم، ولحم الخنزير، أشخاص (1)، وذكروا أن الله عز وجل إنما حرم من نكاح الأمهات والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وما حرم على المؤمنين من النساء، إنما عنى بذلك نكاح نساء النبي، وما سوى ذلك مباح، وبلغك أنهم يترادفون نكاح المرأة الواحدة، ويتشاهدون بعضهم لبعض بالزور، ويزعمون أن لهذا ظهرا وبطنا (2) يعرفونه، وأن الباطن هو الذي يطالبون به، وبه أمروا، وكتبت تسألني عن ذلك وعن حالهم وما يقولون، فأخبرك أنه من كان يدين الله بهذه الصفة التي كتبت تسألني عنها، فهو عندي مشرك بالله بين الشرك، فلا يسع أحدا أن يشك فيه (3)، ألم يسمع هؤلاء قول الله عز وجل: (4) قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قوله جل ثناؤه: (5) وذروا ظاهر الاثم وباطنه فظاهر الحرام وباطنه حرام كله، وظاهر الحلال وباطنه حلال كله، وإنما جعل الظاهر دليلا على الباطن، والباطن دليلا على الظاهر، يؤكد بعضه بعضا، ويشده ويقويه ويؤيده، فما كان مذموما في الظاهر، فباطنه مذموم، وما كان ممدوحا في الظاهر، فباطنه ممدوح.
ثم قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه: وأعلم أن هؤلاء قوم سمعوا ما لم يقفوا على حقيقته، ولم يعرفوا حدوده، فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم ومنتهى عقولهم، ولم يضعوها على حدود ما أمروا به، تكذيبا (6) وافتراء على الله (7) وعلى رسوله (8)، وجرأة على المعاصي، ولم يبعث الله نبيا يدعوا إلى معرفة ليس معها طاعة، وإنما يقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التي افترضها عليهم بعد معرفة من جاء بها من عنده، ودعاهم إليه، فأول ذلك معرفة من دعا إليه، وهو الله الذي لا إله الا هو وحده، والاقرار بربوبيته، ومعرفة الرسول