ما كنت تأمل من الاحسان إن أحسن الله إليك، ولا يغلبنك هواك على حظك ولا تحملنك رقتك على الولد (1) على أن تجمع لهم مالا يحول دون شئ قضاه الله عليهم، وأراد بلوغه فيهم، فتهلك نفسك في أمر غيرك، وتشقيها في نعيم من لا ينظر لك، ولذات من لا يألم لالمك، أذكر الموت وما تنتظر من فجاءة نقماته ولا تأمن (2) عاجل نزوله بك، وأكثر ذكر زوال أمر (3) الدنيا، وانقلاب دهرها، وما قد رأيت من تغير حالاتها بك وبغيرك، إنك كنت حديثا من عرض الناس، فكنت تعيب بذخ (4) الملوك وتجبرهم في سلطانهم، وتكبرهم على رعيتهم، وتسرعهم إلى السطوة، وإفراطهم في العقوبة، وتركهم العفو والرحمة، وسوء ملكتهم، ولؤم غلبتهم (5) وجفوتهم لمن تحت أيديهم، وقلة نظرهم في أمر معادهم، وطول غفلتهم عن الموت، وطول رغبتهم في الشهوات، وقلة ذكرهم للحسنات (6) وقلة تفكرهم في نقمات الجبار، وقلة انتفاعهم بالعبر، وطول أمنهم للغير، وقلة اتعاظهم بما جرى عليهم من صروف التجارب، ورغبتهم في الاخذ وقلة إعطائهم الواجب، وطول قسوتهم على الضعفاء، والايثار والاستيثار والاغماض ولزوم الاصرار، وغفلتهم عما خلقوا له، واستخفافهم بما عملوا، وتضييعهم لما حملوا، أفنصيحة كان عيب ذلك منك عليهم، واستقباحا (7) منهم، أو نفاسة لما كانوا فيه عليهم، فإن كان ذلك نصيحة فأنت اليوم أولى بالنصيحة (8) لنفسك، وإن كانت نفاسة (9) فهل معك أمان من سطوات الله، أم عندك منعة تمتنع بها من عذاب الله، أم استغنيت بنعم (10) الله عليك عن تحرى رضاه، أو قويت بكرامته إياك عن الاصحار لسخطه، والاصرار على معصيته، أم هل لك مهرب يحرزك منه، أم لك رب غيره تلجأ إليه، أم هل (11) لك صبر على احتمال نقماته، أم أصبحت ترجو دائرة من دوائر الدهر (12) تخرجك
(٣٥٢)