من قدرته إلى قدرة غيره، فأحسن النظر في ذلك لنفسك، وأعمل فيه عقلك وهمك، وأكثر عرضه على قلبك، واعلم أن الناس ينظروه من (1) أمرك (2) مثل ما كنت تنظر فيه من (3) أمر من كان في مثل حالك من قبلك، ويقولون فيك مثل ما كنت تقول فيهم، انظر أين الملوك، وأين ما جمعوا مما عليهم به دخلت المعايب، وبه قيلت فيهم الأقاويل؟ ماذا شخصوا به معهم منه، وماذا بقي لمن بعدهم؟ واذكر حالك، وحال من تقدمك ممن كان في مثل حالك، وما جمع وكنز، هل (4) بقيت له تلك الكنوز حين أراد الله نزعها منه، وهل ضرك إذا كنت لا كنز لك، حين أراد الله صرف هذا الامر إليك؟ فلا تر أن الكنوز تنفعك، ولا تثق بها ليومك مما تأمل نفعه في غدك، بل لتكن أخوف الأشياء عندك، وأوحشها لديك عاقبة، وليكن أحب الكنوز لديك وأوثقها عندك نفعا وعائدة الاستكثار من صالح الأعمال، واعتقاد صالح الآثار، فإنك إن تعمل هواك في ذلك وتصرفه عن غيره يقلل همك، ويطب عيشك وينعم بالك; ولتكن قرة عينك بالزهد وصالح الآثار أفضل من قرة عيون أهل الجمع بالجمع، عليك بالقصد فيما تجمع وفيما تنفق، ولا تعدن الاستكثار من جمع الحرام قوة، ولا كثرة الاعطاء من غير الحق جودا، فإن ذلك يجحف بعضه ببعض، ولكن القوة والجود أن تملك هواك، وشح النفس بأخذ ما يحل لك، وسخاء النفس بإعطاء ما يحق عليك، انتفع في ذلك بعلمك، واتعظ فيه بما قد رأيت من أمور غيرك، وخاصم نفسك عند كل أمر تورده وتصدره خصومة عامل للحق جهده، منصف لله وللناس من نفسه، غير موجب لها العذر حيث لا عذر، ولا منقاد للهوى في ورطات (5) الردى، فإن عاجل الهوى لذيذ، وله غب وخيم.
(٣٥٣)