حزبك أمر تحتاج فيه إلى الاعتماد عليهم، وجدت معتمدا بفضل قوتهم على ما تريد بما ذخرت فيهم من الجمام.
وكانت مودتهم لك وحسن ظنهم فيك وثقتهم بما عودتهم من عدلك ورفقك مع معرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمور قوة لهم، يحتملون بها ما كلفتهم، ويطيبون بها نفسا بما حملتهم. فإن العدل يحتمل بإذن الله ما حملت عليهم، وعمران البلاد أنفع من عمران الخزائن، لان مادة عمران الخزائن إنما تكون من عمران البلاد، فإذا خربت البلاد انقطعت مادة الخزائن فخربت بخراب الأرض. وإنما يؤتى خراب الأرض وهلاك أهلها من إسراف أنفس الولاة في الجمع وسوء ظنهم بالمدة وقلة انتفاعهم بالعبر، وليس بهم إلا أن (1) يكونوا يعرفون أن التخفيف واستجمامهم إياها بذلك في العام للعام القابل، والانفاق على ما ينبغي الانفاق عليه منها، هو أزجى لخراجها وأحسن لاثرهم فيها، ولكنهم يقولون ويقول القائل لهم: لا تؤخروا جباية العام إلى قابل كأنكم واثقون بالبقاء إلى قابل؟! ولكفى عجبا برأيهم في ذلك وبرأي من يزينه لهم، فما الوالي إلا على إحدى منزلتين، إما أن يبقى إلى قابل فيكون قد أصلح أرضه واستصلح رعيته، فرأى حسنا من عاقبة أمره في ذلك (2) ما تقر به عينه، ويكثر به سروره، وتقل به همومه، ويستوجب به حسن الثواب على ربه، وإما أن تنقطع مدته قبل قابل فهو إلى ما عمل به من إصلاح وإحسان (3) أحوج، والثناء عليه أحسن، والدعاء أكثر، والثواب له عند الله أفضل. وإن جمع لغيره في الخزائن ما أخرب به البلاد، وأهلك به الرعية، صار مرتهنا لغيره والاثم فيه عليه، وليس يبقى من أمور الولاة إلا ذكرهم، وليسوا يذكرون إلا بسيرتهم وآثارهم، حسنة كانت أو قبيحة، فأما الأموال فلابد أن يؤتى عليها فيكون نفعها لغيره، لنائبه من نوائب الدهر تأتى عليها، فتكون حسرة على أهلها. وإن أحببت أن تعرف عواقب الاحسان والإساءة، وضياع العقول بين ذلك، فانظر في أمور من مضى من صالحي الولاة وشرارهم، فهل تجد منهم أحدا ممن