العلامة اللقاني في شرح جوهرة التوحيد فقال: الثاني من المحرم أن يسأل المستحيلات العادية وليس نبيا ولا وليا في الحال: كسؤال الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق، أو العافية من المرض أبد الدهر لينتفع بقواه وحواسه أبدا، إذ دلت العادة على استحالة ذلك، أو ولدا من غير جماع، أو ثمار من غير أشجار، وكذا قوله: اللهم أعطني خير الدنيا والآخرة لأنه محال، فلا بد من أن يراد الخصوص بغير منازل الأنبياء ومراتب الملائكة، ولا بد أن يدركه بعض الشرور ولو سكرات الموت ووحشة القبر، فكله حرام. الثالث: أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه، كقوله: * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * (البقرة: 682) الخ. مع أنه عليه الصلاة والسلام قال رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فهي مرفوعة، فيكون تحصيل الحاصل وهو سوء أدب، مثل:
أوجب علينا الصلاة والزكاة، إلا أن يريد بالخطإ العمد وبما لا يطاق الرزايا والمحن فيجوز اه ملخصا. قال اللقاني: ورد هذا بعضهم بما قدمناه عن العز بن عبد السلام من أنه يجوز الدعاء بما علمت السلامة منه ا ه، ولذا قال الشارح: قيل والشرعية: أي لان أحسن الدعاء ما ورد في القرآن والسنة، ومنه * (ربنا لا تؤاخذنا) * الآية فكيف ينهى عنه، ولو كان الدعاء بتحصيل الحاصل منهيا لما ساغ الدعاء الصلاة على النبي (ص)، ولا الدعاء له بالوسيلة، ولا بقول المؤمن * (اهدنا الصراط المستقيم) * (الفاتحة: 6) ولا بلعن الشياطين والكافرين، ونحو ذلك مما فيه إظهار العجز والعبودية: أو الرغبة بحب النبي (ص) أو حب الدين، أو النفرة عن فعل الكافرين ونحوهم - بخلاف قول الرجل:
اللهم اجعلني رجلا ونحوه مما لا فائدة فيه، أو ما فيه تحكم على الله تعالى كطلب ما ليس أهلا لنيله، أو ما كان مستحيلا فإنه من الاعتداء في الدعاء، وقد قال الله تعالى: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) * (الأعراف: 55 وروي عن عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء.
مطلب في الدعاء المحرم قوله: (والحق الخ) رد على الامام القرافي ومن تبعه حيث قال: إن الدعاء بالمغفرة للكافر كفر لطلبه تكذيب الله تعالى فيما أخبر به، وإن الدعاء لجميع المؤمنين بمغفرة جميع ذنوبهم حرام، لان فيه تكذيبا للأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا بد من تعذيب طائفة من المؤمنين بالنار بذنوبهم وخروجهم منها بشفاعة أو بغيرها، وليس بكفر للفرق بين تكذيب خبر الآحاد القطعي، ووافقه على الأول صاحب الحلية المحقق ابن أمير حاج، وخالفه في الثاني وحقق ذلك بأنه مبني على مسألة شهيرة، وهي أنه هل يجوز الخلف في الوعيد؟ فظاهر ما في المواقف والمقاصد أن الأشاعرة قائلون بجوازه، لأنه لا يعد نقصا بل جودا وكرما. وصرح التفتازاتي وغيره بأن المحققين على عدم جوازه، وصرح النسفي بأنه الصحيح لاستحالته عليه تعالى، لقوله: * (وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي) * (ق 82، 92) وقوله تعالى: * (ولن يخلف الله وعده) * أي وعيده، وإنما يمدح به العباد خاصة، فهذا الدعاء يجوز على الأول لا الثاني.
مطلب في خلف الوعيد وحكم الدعاء بالمغفرة للكافر ولجميع المؤمنين