ومن الأحاديث الدالة على التقديم وليس فيها صريح سوى حديث أبي الطفيل عن معاذ أنه عليه الصلاة والسلام كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى العصر فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب. قوله:
(محمول إلخ) أي ما رواه مما يدل على التأخير محمول على الجمع فعلا لا وقتا: أي فعل الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها ويحمل تصريح الراوي بخروج وقت الأولى على التجوز، كقوله تعالى - فإذا بلغن أجلهن - أي قاربن بلوغ الاجل أو على أنه ظن، ويدل على هذا التأويل ما صح عن ابن عمر أنه نزل في آخر الشفق فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا وفي رواية ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء كيف وقد قال ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، بأن تؤخر صلاة إلى وقت الأخرى رواه مسلم، وهذا قاله وهو في السفر.
وروى مسلم أيضا عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، لئلا يحرج أمته وفي رواية ولا سفر والشافعي لا يرى الجمع بلا عذر، فما كان جوابه عن هذا الحديث فهو جوابنا، وأما حديث أبي الطفيل الدال على التقديم فقال الترمذي فيه: إنه غريب، وقال الحاكم: إنه موضوع، وقال أبو داود: ليس في تقديم الوقت حديث قائم، وقد أنكرت عائشة على من يقول بالجمع في وقت واحد. وفي الصحيحين عن ابن مسعود والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها، إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع (1) ويكفي في ذلك النصوص الواردة بتعيين الأوقات من الآيات والاخبار، وتمام ذلك في المطولات كالزيلعي وشرح المنية.
وقال سلطان العرافين سيدي محيي الدين نفعنا الله به: والذي أذهب إليه أنه لا يجوز الجمع في غير عرفة ومزدلفة، لان أوقات الصلاة قد تثبت بلا خلاف، ولا يجوز إخراج صلاة عن وقتها إلا بنص محتمل، إذ لا ينبغي أن يخرج عن أمر ثابت بأمر محتمل هذا لا يقول به من شم رائحة العلم، وكل حديث ورد في ذلك فمحتمل أنه يتكلم فيه مع احتمال أنه صحيح، لكنه ليس بنص اه. كذا نقله عنه سيدي عبد الوهاب الشعراني في كتابه (الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر). قوله: (فإن جمع إلخ) تفصيل أجمله أولا بقوله: ولا جمع الصادق بالفساد أو الحرمة فقط ط. قوله: (إلا لحاج) استثناء من قوله ولا جمع ط. قوله: (بعرفة) بشرط الاحرام والسلطان أو نائبه والجماعة في الصلاتين، ولا يشترط كل ذلك في جمع المزدلفة ط. قلت: إلا الاحرام على أحد القولين فيه.
قوله: (عند الضرورة) ظاهره أنه عند عدمها لا يجوز، وهو أحد قولين. والمختار جوازه مطلقا ولو بعد الوقوع كما قدمناه في الخطبة ط. وأيضا عند الضرورة لا حاجة إلى التقليد كما قال بعضهم مستندا لما في المضمرات: المسافر إذا خاف اللصوص أو قطاع الطريق ولا ينتظر الرفقة جاز له