واعلم أن هذه المسألة مما تحيرت فيها أفهام العلماء الأعلام ووقع فيها بينهم النزاع وشاع وذاع، وألف فيها العلامة قاسم رسالة (رفع الاشتباه عن مسألة المياه) حقق فيها عدم الفرق بين الملقى والملاقي: أي فلا يصير الماء مستعملا بمجرد الملاقاة، بل تعتبر الغلبة في الملاقي كما تعتبر في الملقى، ووافقه بعض أهل عصره، وتعقبه غيرهم منهم تلميذه العلامة عبد البر بن الشحنة فرد عليه برسالة سماها (زهر الروض في مسألة الحوض) وقال: لا تغتر بما ذكره شيخنا العلامة قاسم.
ورد عليه أيضا في شرحه على الوهبانية، واستدل بما فالخانية وغيرها: لو أدخل يده أو رجله في الاناء للتبرد يصير الماء مستعملا لانعدام الضرورة، وبما في الاسرار للامام أبي زيد الدبوسي حيث ذكر ما مر عن البدائع، ثم قال: إلا أن محمدا يقول: لما اغتسل في الماء القليل صار الكل مستعملا حكما ا ه ومن هنا نشأ الفرق السابق، وبه أفتى العلامة ابن الشلبي، وانتصر في البحر للعلامة قاسم وألف رسالة سماها (الخير الباقي في الوضوء من الفساقي) وأجاب عما استدل به ابن الشحنة بأنه مبنى على القول الضعيف بنجاسة الماء المستعمل، ومعلوم أن النجاسة ولو قليلة تفسد الماء القليل، وأقره العلامة الباقاني والشيخ إسماعيل النابلسي وولده سيدي عبد الغني، وكذا في النهر والمنح، وعلمت أيضا موافقته للمحقق ابن أمير حاج وقارئ الهداية، وإليه يميل كلام العلامة نوح أفندي، ثم رأيت الشارح في الخزائن مال إلى ترجيحه وقال: إنه الذي حرره صاحب البحر بعد اطلاعه على كتب المذهب ونقله عباراتها المضطربة ظاهرا، وعلى ما ألف في هذا الخصوص من الرسائل وأقام على هذه الدعوى الصادقة البينة العادلة، وقد حررت في ذلك رسالة حافلة كافلة بذلك متضمنة لتحقيق ما هنالك، وبلغني أن شيخنا الشيخ شرف الدين الغزي محشي الأشباه مال إلى ذلك كذلك ا ه. ملخصا.
قلت: وفي ذلك توسعة عظيمة ولا سيما في زمن انقطاع المياه عن حياض المساجد وغيرها في بلادنا، ولكن الاحتياط لا يخفى، فينبغي لمن يبتلي بذلك أن لا يغسل أعضاءه في ذلك الحوض الصغير، بل يغترف منه ويغسل خارجه وإن وقعت الغسالة فيه ليكون من الملقى لا من الملاقي الذي فيه النزاع، فإن هذا المقام فيه للمقال مجال، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. قوله: (ويجوز) أي يصح وإن لم يحل في نحو الماء المغصوب وهو أولى هنا من إرادة الحل وإن كان الغالب إرادة الأول في العقود والثاني في الافعال، فافهم. قوله: (بما ذكر) أي في أقسام الماء المطلق. قوله:
(غير دموي) المراد ما لا دم له سائل، فما في القهستاني أن المعتبر عدم السيلان لا عدم أصله، حتى لو وجد حيوان له دم جامد لا ينجس ا ه. أقول: وكذا دم القملة والبرغوث فإنه غير سائل، وخرج الدموي سواء كان دمه من نفسه أو مكتسبا بالمص كالعلق فإنه يفسد الماء كما يأتي، والمراد الدموي غير المائي بدليل ذكره المائي بعده. قوله: (كزنبور) بضم الزاي، وهو أنواع: منها النحل.
نهر. قوله: (أي بعوض) في البحر وغيره أنه كبار البعوض، لكن في القاموس: البقة: البعوضة، ودويبة مفرطحة: أي عريضة حمراء منتنة. والظاهر أن الثاني هو المراد بقوله: وقيل بق الخشب ويؤيده عبارة الحلية، وقد يسمى به الفسفس في بعض الجهات: وهو حيوان كالقراد شديد النتن.
وعبارة السراج: وقيل الكتان. وفي القاموس: الكتان دويبة حمراء لساعة ا ه. والظاهر أنه