لأصالة بقاء الملك وقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد وعن بعض الحنفية وابن شريح في الجليل، وقال أحمد ينعقد مطلقا ونحوه قال مالك: فإنه قال: ينعقد بما يعتقده (كذا في التذكرة) الناس بيعا، انتهى. ودلالته على قصد المتعاطين للملك لا يخفى من وجوه أدونها جعل مالك موافقا لا حمد في الانعقاد من جهة أنه قال ينعقد بما يعتقده الناس بيعا وقال الشهيد في قواعده بعد قوله قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي وذكر أمثلة لذلك ما لفظه. وأما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد الإباحة لا الملك وإن كان في الحقير عندنا انتهى ودلالتها على قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفى هذا كله مع أن الواقع في أيدي الناس هي المعاطاة بقصد التمليك ويبعد فرض الفقهاء من العامة والخاصة الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس مع أنهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس. ثم إنك قد عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك بل صراحة بعضها فالخلاف والسرائر والتذكرة والقواعد ومع ذلك كله فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد أنهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل فقال المعروف بين الأصحاب أن المعاطاة بيع وإن لم يكن كالعقد في اللزوم خلافا لظاهر عبارة المفيد ولا يقول أحد من الأصحاب بأنها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية. وقد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها وقوله تعالى: أحل الله البيع يتناولها لأنها بيع، بالاتفاق حتى من القائلين بفسادها لأنهم يقولون هي بيع فاسد.
وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فإنه عام إلا ما أخرجه الدليل وما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب من أنها تفيد الإباحة و تلزم بذهاب إحدى العينين يريدون به عدم اللزوم في أول الأمر وبالذهاب يتحقق اللزوم لامتناع إرادة الإباحة المجردة من أصل الملك إذ المقصود للمتعاطين إنما هو الملك، فإذا لم يحصل كانت فاسدة، ولم يجز التصرف في العين وكافة الأصحاب على خلافه وأيضا فإن الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا و رأسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده، وإنما الأفعال لما لم يكن دلالتها على المراد في الصراحة كالأقوال وإنما تدل بالقرائن منعوا من لزوم العقد بها فيجوز التراد ما دام ممكنا فمع تلف إحدى العينين يمتنع التراد ويتحقق اللزوم