بالبينات، لأنا نجيب عن الأول بمنع دعوى الإجماع، على خلاف موضع النزاع، لأن المنع من العمل بكتاب قاض إلى قاض ليس منعا من العمل بحكم الحاكم مع ثبوته (142).
ونحن نقول: فلا عبرة عندنا بالكتاب، مختوما كان أو مفتوحا، وإلى جواز ما ذكرنا، أومأ الشيخ أبو جعفر رحمه الله في الخلاف.
ونجيب عن الرواية بالطعن في سندها، فإن طلحة بتري والسكوني عامي. ومع تسليمها نقول بموجبها، فأنا لا نعمل بالكتاب أصلا، ولو شهد به فكأن الكتاب ملغى.
إذا عرفت هذا، فالعمل بذلك مقصور على حقوق الناس، دون الحدود وغيرها من حقوق الله.
ثم ما ينهى إلى الحاكم أمران: أحدهما حكم وقع بين المتخاصمين، والثاني إثبات دعوى مدع على غائب.
أما الأول: فإن حضر شاهدا الإنهاء خصومة الخصمين (143)، وسمعا ما حكم به الحاكم وأشهدهما على حكمه، ثم شهدا بالحكم عند الآخر، ثبت بشهادتهما حكم ذلك الحاكم، وأنفذ من ثبت عنده، لا أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر، إذا لا علم له بذلك، بل الفائدة فيه قطع خصومة الخصمين لو عاودا المنازعة في تلك الواقعة.
وإن لم يحضرا الخصومة (144)، فحكى لهما الواقعة، وصورة الحكم، وسمي المتحاكمين، بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما، وأشهدهما على الحكم، ففيه تردد، والقبول أولى، لأن حكمه كما كان ماضيا، كان إخباره ماضيا.
وأما الثاني: وهو إثبات دعوى المدعي فإن حضر الشاهدان الدعوى وإقامة الشهادة، والحكم بما شهدا به وأشهدهما على نفسه بالحكم، وشهدا بذلك عند الآخر، قبلها وأنفذ الحكم.
ولو لم يحضرا الواقعة، وأشهدهما بما صورته (145)، ادعى على فلان بن فلان الفلاني