ومنها يتعدى إلى صفة الرواية لأن أصدقية الراوي وأوثقيته انما تعتبران من أجل حصول صفة الوثوق والصدق في نفس الرواية فإذا كان إحدى الروايتين منقولة باللفظ والأخرى بالمعنى كان الأول أقرب إلى الصدق - هذا ويمكن ان يقال في تأييده: ان صفة الأورعية والأعدلية والأفقهية أيضا تكون معتبرة لأجل الأقربية إلى الواقع من غير دخالة سبب خاص فان صفة الأورعية والأعدلية تقتضي ان يكون الراوي دقيقا في حفظ كلمات الحديث والتورع عن التغيير والتبديل ولو بكلمات مرادفة بنظره وعن النقل بالمعنى فتكون روايته أقرب إلى الواقع نوعا.
وكذا صفة الأفقهية تقتضي الأقربية لأجل كون الأفقه أعرف بمذاق الأئمة وطريقتهم وأعرف بتميز ما صدر منهم لأجل إفادة الحكم الواقعي من غيره فلا ينقل في مقام العمل والفتوى الا ما هو أقرب إلى الواقع بخلاف غير الأفقه، فجميع الصفات المذكورة في المقبولة والمرفوعة مشتركة في حيثية وممتازة في حيثيات وانما جعلت مرجحة من حيثيتها المشتركة وهي أقربية ذيها إلى الواقع دون الجهات الممتازة ثم بعد ما استكشفنا منها كون تمام الملاك والموضوع لوجوب الترجيح هو حيثية الأقربية إلى الواقع نتعدى إلى كل ما كان كذلك، هذا غاية تقريب هذا الدليل، ثم أيد ما ذكره بان الراوي بعد سماع الترجيح بمجموع الصفات لم يسأل عن صورة وجود بعضها وتخالفها في الروايتين ولو لا فهمه ان ما ذكر وأمثاله مزية مستقلة لم يكن وقع للسؤال عن صورة عدم المزية رأسا بل ناسبه السؤال عن حكم عدم اجتماع الصفات - هذا.
ولكن بعد اللتيا والتي وإتعاب النفس في تقريب الدليل لا يجوز التعدي إلى غير ما في النص لأنه بعد ذلك لم يخرج عن التخرص الظني ولم يستند إلى ظهور لفظي قابل للاعتداد والاحتجاج ولم يخرج عن الاستحسان، والإنصاف ان التعدي عن مرجح الحكم كما في المقبولة إلى مرجح الرواية ثم التعدي من المنصوص إلى غيره بهذه التقريبات الظنية الخطابية خارج عن مذاقنا، ولعل الشيخ رحمه الله كان اعتماده على الشهرة والإجماع المنقولين وأراد الاستدلال عليه بالأدلة اللفظية لئلا تخلو الواقعة عن دليل لفظي والا فهذا النحو من الاستدلال خلاف مسلكه في الفقه،