بحث حول بناء العقلاء ثم انه قبل الورود في أدلة الطرفين لا بأس بالتدبر في بناء العقلاء وبيان مقتضى ارتكازهم في أصل التقليد وفي باب تقليد الأعلم فنقول: المعروف ان عمدة دليل وجوب التقليد هو ارتكاز العقلاء فإنه من فطريات العقول رجوع كل جاهل إلى العالم ورجوع كل محتاج إلى صنعة وفن إلى الخبير بهما فإذا كان بناء العقلاء ذلك ولم يرد ردع من الشارع عنه يستكشف انه مجاز ومرضي، ولا يصلح ما ورد من حرمة اتباع الظن للرادعية لما ذكرنا في باب حجية الظن من ان مثل هذه الفطريات والأبنية المحكمة المبرمة لا يمكن فيها ردع العقلاء بمثل عموم (الظن لا يغنى من الحق شيئا) بناء على عدم الخدشة في دلالته وغير ذلك فإنه لا ينقدح في ذهنهم احتمال الخلاف في تلك الفطريات غالبا الا مع التنبه فلا ينقدح في بالهم ان مثل تلك العمومات رادعة عن مثل تلك الارتكازات فلا بد من ردعهم عن مثلها من التصريح والتأكيد، ولهذا بعد ورود أمثال ما يدعى الردع بها لم - ينقدح في ذهن من في الصدر الأول عدم جواز ترتيب الملكية على ما في يد الغير وأثر الصحة على معاملات الناس وعدم قبول قول الثقة والعمل بالظواهر فإذا يكون أصل التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم جائزا.
إشكال على بناء العقلاء وهاهنا شك وهو ان ارتكاز العقلاء وبنائهم على امر انما يصير حجة إذا أمضاه الشارع وانما يكفي عدم الردع ويكشف عن الإمضاء إذا كان بنائهم على عمل بمرأى ومنظر من النبي أو الأئمة عليهم السلام كبنائهم على أصالة الصحة والعمل بقول الثقة وأمثالهما مما كان بنائهم العملي متصلا بزمان المعصومين، واما إذا كان بنائهم على عمل في موضوع مستحدث لم يتصل بزمانهم فلا يمكن استكشاف إمضاء الشارع لمثله وما نحن فيه من هذا القبيل، فان علم الفقه أصبح في أعصارنا من العلوم النظرية التي لا تقصر عن العلوم الرياضية والفلسفية في حين كان في أعصار الأئمة عليهم السلام من العلوم الساذجة البسيطة