ومنها ما ورد دليلان متباينان فقد يرد المخصص لأحدهما فتنقلب نسبتهما إلى الأخص المطلق كقوله: أكرم العلماء ولا تكرم العلماء فإذا ورد لا تكرم فساق العلماء يصير مفاد أكرم العلماء أكرم عدولهم وهو أخص من قوله لا تكرم العلماء وقد يرد مخصص آخر ويرتفع الاختلاف بينهما فيختص كل بموضوع كما ورد في المثال أكرم عدول العلماء فيصير مفاد لا تكرم العلماء بعد التخصيص لا تكرم فساق العلماء وهو غير مناف لقوله أكرم عدول العلماء، وقد يرد مخصص وتنقلب نسبتهما إلى العموم من وجه كما لو ورد في المثال أكرم نحويي العلماء ولا تكرم فساق العلماء لأن النسبة بين قوله أكرم العلماء غير الفساق منهم وغير ولا تكرم العلماء غير النحويين أعم من وجه إلى غير ذلك من موارد انقلاب النسبة فصل في ان العامين من وجه هل يندرجان في اخبار العلاج؟
قد اتضحت مما قدمنا الموارد التي تكون غير داخلة في الحديثين المختلفين وخارجة عن موضوع البحث في باب التعادل والترجيح لأجل الجمع المقبول بينهما، ولا بد لتنقيح البحث من ذكر بعض الموارد الذي يكون مورد البحث في اندراجه في موضوع أدلة العلاج.
فمنها ما إذا كان بين الدليلين عموم من وجه فهل يندرجان فيها أم لا؟ وعلى الأول فهل تجري فيهما جميع المرجحات صدورية كانت أم لا تجري فيهما المرجحات الصدورية؟ محصل الكلام ان يقال: ان جميع أدلة العلاج يدور مدار عنواني حديثين متعارضين والخبرين المختلفين، فلا حدان يقول: ان الظاهر منهما هو التخالف بقول مطلق وهو يختص بالمتباينين واما العامان من وجه فتنصرف الأدلة منهما فان الظاهر من قوله: «يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ» دوران الأمر بين أخذ أحدهما وترك الاخر وبالعكس رأسا، لا أخذ بعض مفاد أحدهما وترك بعض مفاد الاخر وكذا الأجوبة الواردة فيها كقوله «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر» وقوله:
«اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه» إلى غير ذلك ظاهرة في الحديثين