المشتغلين بدقائق العلوم حتى أصول الفقه بالمعنى الرائج في أعصارنا الخلط بين المعاني العرفية السوقية الرائجة بين أهل المحاورة المبنى عليها الكتاب والسنة والدقائق الخارجة عن فهم العرف، بل قد يقع الخلط لبعضهم بين الاصطلاحات الرائجة في العلوم الفلسفية أو الأدق منها وبين المعاني العرفية في خلاف الواقع لأجله.
ومنها تعلم المنطق بمقدار تشخيص الأقيسة وترتيب الحدود وتنظيم الإشكال من الاقترانيات وغيرها وتمييز عقيمها من غيرها. والمباحث الرائجة منه في نوع المحاورات لئلا يقع في الخطاء لأجل إهمال بعض قواعده، واما تفاصيل قواعده ودقائقه الغير الرائجة في لسان أهل المحاورة فليست لازمه ولا يحتاج إليها في الاستنباط.
ومنها - وهو من المهمات - العلم بمهمات مسائل أصول الفقه مما هي دخيلة في فهم الأحكام الشرعية، واما المسائل التي لا ثمرة لها أو لا يحتاج في تثمير الثمرة منها إلى تلك التدقيقات والتفاصيل المتداولة فالأولى ترك التعرض لها أو تقصير مباحثها والاشتغال بما هو أهم وأثمر، فمن أنكر دخالة علم الأصول في استنباط الأحكام فقد أفرط، ضرورة تقوم استنباط كثير من الأحكام بإتقان مسائله وبدونه يتعذر الاستنباط في هذا الزمان وقياس زمان أصحاب الأئمة بزماننا مع الفارق من جهات.
وظني ان تشديد نكير بعض أصحابنا الأخباريين على الأصوليين في تدوين الأصول وتفرع الأحكام عليها انما نشأ من ملاحظة بعض مباحث كتب الأصول مما هي شبيهة في كيفية الاستدلال والنقض والإبرام بكتب العامة، فظنوا ان مباني استنباطهم الأحكام الشرعية أيضا شبيهة بهم من استعمال القياس والاستحسان والظنون، مع ان المطلع على طريقتهم في استنباطها يرى انهم لم يتعدوا عن الكتاب والسنة والإجماع الراجع إلى كشف الدليل المعتبر لا المصطلح بين العامة (نعم) ربما يوجد في بعض كتب الأعاظم لبعض الفروع المستنبطة من الاخبار استدلالات شبيهة باستدلالاتهم لمصالح منظورة في تلك الأزمنة، وهذا لا يوجب الطعن على أساطين الدين وقوام المذهب.
والإنصاف ان إنكارهم في جانب الإفراط كما ان كثرة اشتغال بعض طلبة الأصول والنظر إليه استقلالا، وتوهم انه علم برأسه وتحصيله كمال النفس وصرف العمر في المباحث