ادعى قاعدة كلية في فصل ثم ادعى خلافها في بعض الموارد يقال تناقض في المقال، اللهم الا ان ينبه على انتقاضها في بعض الموارد، ولكن العرف والعقلاء لا يرون التناقض في محيط التقنين والتشريع بين العام والخاص والمطلق والمقيد مع ضرورية التناقض بين الإيجاب الكلي والسلب الجزئي وكذا العكس، لكن لما شاع وتعارف في وعاء التقنين ومحيط التشريع، ذلك لا يعدونه تناقضا.
في انه لا بد من فرض التعارض في محيط التشريع فلا بد في تشخيص الخبرين المتعارضين والحديثين المختلفين فرض الكلام في محيط التشريع والتقنين وفي كلام متكلم صارت عادته إلقاء الكليات والأصول وبيان المخصصات والشرائط والاجزاء والمقيدات والقرائن منفصلة، فهذا القرآن الكريم يقول - وقوله الحق -: «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» مع انه فيه العموم والخصوص والمطلق والمقيد ولم يستشكل أحد بوقوع الاختلاف فيه من هذه الجهة.
وبالجملة سنة الله تعالى في الكتاب الكريم، والرسول الصادع بالقانون الإلهي والأئمة الهدى مع عدم كونهم مشرعين لما جرت على ذلك كما هو المشاهد في الكتاب والسنة لمصالح هم اعلم بها، ولعل منها صيرورة الناس محتاجين إلى العلماء والفقهاء وفيه بقاء الدين ورواج الشريعة وتقوية الإسلام كما هو الظاهر فلا بد وان يكون تشخيص الخبرين المتعارضين والمختلفين مع عطف النظر إلى هذه السنة وتلك العادة.
فالتعارض بناء على ما ذكرنا هو تنافي مدلول دليلين أو أكثر عرفا في محيط التقنين مما لم يكن للعرف إلى جمعهما طريق عقلائي مقبول وصار العرف متحيرا في العمل، فالأدلة الدالة على الأحكام الواقعية غير معارضة للأدلة الدالة على حكم الشك لأن للعرف فيها طريق الجمع المقبول، وكذا لا يتعارض الحاكم المحكوم، وقد ذكرنا ضابط الحكومة في البراءة والاستصحاب، وكذا لا تعارض عرفا بين العام والخاص سواء كانا قطعي السند أو كان أحدهما قطعيا، وسواء كان الخاص قطعي الدلالة أو ظنيها، لأن العرف لا يرى انسلاكهما في الخبرين المتعارضين والحديثين المختلفين.