لازم ذلك عدم جواز الأخذ باللوازم العادية والعقلية لأحد المتعارضين وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به ولا يلتزمون به.
والتحقيق ان يقال: ان المتفاهم من أدلة الترجيح والتخيير لدى التعارض ان إيجاب العمل على طبق الخبر ذي المزية أو أحدهما إذا تكافئا أو التوسعة في الأخذ بأحدهما ليس الا من حيث كونه خبرا كاشفا عن الواقع وانهما وان تساقطا بنظر العرف لكن لم يتساقطا بنظر الشارع، بل وجوب الأخذ بأحدهما معينا أو مخيرا في حال التعارض كوجوبه قبله، وبالجملة أوجب الشارع العمل به لكونه ذاتا طريقا إلى الواقع، وإيجاب العمل بهذا اللحاظ لا محذور فيه وليس كجعل الطريقية الفعلية إلى المتناقضين.
والحاصل ان العرف يفهم من قوله: «إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت» ان له الأخذ بأحدهما في حال التعارض كأخذه به قبله، فكما كان يأخذ به وبلوازمه قبله فكذا الحال، وهذا لا ينافي جعل الوظيفة في حال الشك لأن حاصله ان الوظيفة في حال الشك في صدق أحد الخبرين هو الأخذ بأحدهما بما لهما من المفاد مطلقة والتزاما فالوظيفة هو الأخذ بأحد الطريقين بما هو طريق عقلائي فتدبر جيدا.
في حكم تخيير القاضي والمفتي في عمله وعمل مقلديه الثاني بعد ما عرفت ان التخيير انما هو في المسألة الأصولية وليس من قبيل التخيير في الأماكن الأربعة بين القصر والإتمام فاعلم: انه لا إشكال في تخيير المجتهد في عمل نفسه كما لا إشكال في ان القاضي في مقام فصل الخصومة ليس له تخيير المتحاكمين، لأن فعل الخصومة انما هو بحكمه لا بفتواه فلا بد له من الأخذ بأحدهما ويحكم على طبقه لتفصل الخصوصة.
انما الكلام في المفتي بالنسبة إلى مقلديه فهل التخيير مختص به لكونه في المسألة الأصولية ولكون الخطاب بقوله: «فإذا لم تعلم فموسع عليك» متوجها إليه بان يقال:
ان من يأتيه الخبران ويجيئه الحديثان المختلفان هو المجتهد لا العامي، ويؤيده بل يدل عليه ان الترجيحات انما هي للمجتهدين ويكون نظر المجتهد فيها معتبرا لا العامي