وان شئت قلت: كما ان العقلاء لا يعتنون بالاحتمال النادر في مقابل الكثرة كما في الشبهة غير المحصورة بل وفي باب أصالة الصحة في العقود وفي باب العيوب كذلك لا يعتنون باحتمال النسخ الذي لا يعلم وقوعه في الشريعة الا في موارد قليلة جدا في مقابل التخصيص والتقييد الرائج الشائع ولهذا ترى ان بناء فقه الإسلام على التخصيص والتقييد وقلما يتفق ان يتفوه ففيه بالنسخ مع ان في جل الموارد يتردد الأمر بينهما للجهل بتاريخ صدورهما وعروض الاحتمالات المتقدمة عليهما (1) فتحصل مما ذكرنا ان النسخ مقدم على التخصيص في بعض الصور وبالعكس في بعضها ولا يتقدم أحدهما على الاخر في بعضها على بعض الاحتمالات.
ثم لا يخفى ان الظاهر مما ذكروا في وجه تقديم التخصيص على النسخ من كثرته ووجه تقديم النسخ على التخصيص من كون تقييد الإطلاق أهون من التخصيص ان الدليلين وارد ان على موضوع واحد ففي مورد واحد يتشبث كل بما ذكر من وجه التقديم، لكن اتضح بما قدمناه ان مورد التمسك بأهونية التقييد انما هو فيما علم التاريخ ولا يجري في المجهول، ومورد التشبث بالكثرة انما هو في مجهولي التاريخ دون غيره فلا يخلو استدلالهم من الخلط.
في الدوران بين التقييد وحمل الأمر على الاستحباب ومن الموارد المتقدمة دوران الأمر بين تقييد الإطلاق وحمل الأمر على الاستحباب أو النهي على الكراهة، ومجمل القول فيه: ان الإطلاق في مقام البيان قد يقع في جواب سؤال من يريد العمل به كما لو سئل رجل عن تكليفه الفعلي فيما إذا أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فقال الإمام له: أعتق رقبة، فذهب ليعمل به، ثم بعده ورد دليل على انه لا تعتق رقبة كافرة أو أعتق رقبة مؤمنة، ففي مثل ذلك يكون حمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب أهون بل متعينا لأن في تقييد الإطلاق محذور