في إمكان كون كل من المرجحين مرجحا للصدور أو لجهته الأمر الرابع قد اتضح ان المرجح المنصوص منحصر في موافقة الكتاب ومخالفة العامة فكل واحد منهما يمكن ان يكون ثبوتا مرجحا لأجل الصدور أو لجهته ويمكن ان يكون كل لجهة، لأن الاخبار المخالفة للكتاب والسنة يمكن ان تكون غير صادرة منهم نوعا فجعلت المخالفة أمارة على عدم الصدور أو صادرة لا لبيان الحكم الواقعي بل للاحتشام عن ولاة الجور وتقية منهم، وكذا الاخبار الموافقة للعامة يمكن ان تكون صادرة منهم وانما دس الدساسون في اخبارهم، ويمكن ان تكون صادرة منهم لأجل التقية فلا يتمحض شيء منهما بحسب الثبوت لترجيح الصدور أو جهته بل يمكن إرجاع الترجيح بالأعدلية وما يتلوها وكذا الاشتهار إلى جهة الصدور بوجه.
واما بحسب مقام الإثبات فالاخبار الواردة في الترجيح بموافقة الكتاب مختلفة:
فمنها ما يظهر منه انها مرجحة لأصل الصدور كرواية ابن الجهم حيث قال في الجواب عن ورود الأحاديث المختلفة: «ان ما يشبه كتاب الله وأحاديثنا فهو منا وما لا يشبههما فليس منا» والظاهر من قوله: «ليس منا» أي لم يصدر منا لا انه صدر للتقية، وكذا روايته الأخرى عن العبد الصالح.
ومنها ما يظهر منه انها مرجحة لجهة الصدور كقوله في رواية الميثمي: لأنا لا نرخص فيما لم يرخص فيه رسول الله ولا نأمر بخلاف ما امر به رسول الله الا لعلة خوف ضرورة (إلخ) فان الظاهر منه ان ما خالف رسول الله قد يصدر منهم تقية وخوفا فأمر في اخبار العلاج برد ما خالف السنة من المتعارضين لأجله أو للأعم منه.
واما الاخبار الواردة في الترجيح بمخالفة العامة فلا يظهر منها انها للترجيح الصدوري أو الجهتي (نعم) ربما يرجح من بعض الاخبار الاخر كونها من مرجح أصل الصدور كأخبار الدس كما ان كثرة صدور الاخبار تقية مما يرجح كونها مرجحة لجهة الصدور، والإنصاف ان كلا من الاحتمالين ممكن والجزم بأحدهما لا يخلو من جزاف.
ثم انك قد عرفت ان مقتضى مصححة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ان الترجيح بموافقة الكتاب مقدم على الترجيح بمخالفة العامة ولا وجه لرفع اليد عنهما.