ليس الجهل المركب من العلم (1):
يزعم بعضهم دخول الجهل المركب في العلم (2) فيجعله من أقسامه،
(١) ظاهر كلامه (قدس سره) بل صريحه: إنكار دخول الجهل المركب في مقسم التصور والتصديق، واستند في ذلك إلى أمرين: تعريف العلم، وعدم صحة كون الشئ من أقسام مقابله. ويرد عليه النقض بالوهم بل الشك حيث جعلهما من أقسام التصور الذي هو قسم من العلم، مع أن الصورة الوهمية مقارنة للاعتقاد الظني بخلافها. وأيضا قد صرح هو (قدس سره) بكونهما من أقسام الجهل (ص ١٩ س ٤).
والحل: أن العلم يطلق على معان مختلفة:
١ - مطلق الانكشاف والحضور، فيرادف الإدراك والمعرفة، وهذا هو مقسم الحصولي والحضوري.
٢ - الصورة الحاصلة من الشئ لدى العقل، فيرادف العلم الحصولي.
٣ - مطلق الاعتقاد الراجح سواء منع من النقيض أم لا - ويقال له: العلم بالمعنى الأعم - فيشمل الظن والجزم، وهذا المعنى مرادف للتصديق، ويقابله التصور بأقسامه.
٤ - الجزم، وهو الاعتقاد الراجح المانع من النقيض، وهو العلم بالمعنى الأخص، ويقابله الظن.
٥ - الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، ويقابله الجهل المركب.
٦ - اليقين، وهو الاعتقاد الجازم المطابق الثابت، ويقابله التقليد، وهناك معان أخر لا يهمنا ذكرها الآن.
إذا عرفت هذا، فنقول: كل معنى لاحق أخص من المعنى السابق، فعدم دخول الجهل المركب في العلم بالمعنى الخامس لكونه مقابلا له لا يستلزم خروجه عن المعاني السابقة للعلم، كما أن عدم دخول الظن في العلم بالمعنى الرابع لكونه مقابلا له لا يستلزم خروجه عن العلم بالمعنى الثالث، وهكذا...
واتضح أن المغالطة نشأت من اشتراك لفظة " العلم " بين معان كل لاحق أخص من سابقه، وأن الحق كون الجهل المركب " علما " بمعنى الصورة الحاصلة من الشئ لدى العقل، بل تصديقا، وهو القول الأول الذي حكاه عن بعضهم، وقد صرح بكونه تصديقا الشيخ في برهان الشفا (ص 51) وفي الإشارات (ص 13) وعدة من محشي الحاشية للمولى عبد الله اليزدي (قدس سره)، وفي مقصود الطالب (ص 58) وشرح المنظومة في المنطق (ص 8) والمولى صدر المتألهين في اللمعات المشرقية (راجع منطق نوين ص 3) وهو الظاهر من عبارة التفتازاني في تهذيبه، بل لم أجد لما ذكره الماتن قائلا غيره.
(2) قد ظهر لك: أن هذا هو ما عليه جميع المناطقة فيما نعلم، حيث صرح به كثير منهم كما يظهر من ظاهر كلام الآخرين.