إن قلنا بالأول - أعني كون الكلام من صفات الذات - فلا نجد بدا من الالتزام بما يقوله الأشاعرة، فمما لا يشك فيه أن صفات الذات ليست بحادثة وإلا كان الواجب جل شأنه محل الحوادث، وقد مر بطلان هذا بما ليس هذا محل بيانه، وإنما يلزم ذلك لأن صفات الذات عين الذات لكن بمعنى أنه لا اثنينية بين الصفات والذات.
وإن قلنا بالثاني - أعني كون الكلام من صفات الأفعال - فلا نجد بدا من الالتزام بما يقوله العدلية - من الإمامية والمعتزلة - فإن صفات الأفعال باعتبار أنها تعقلية ارتباطية، حادثة بحدوث التعلقات والارتباطات.
وعلى كل حال ومهما يكن من أمر، فإن رأي العدلية في سلامة مما يلزم رأي الأشاعرة من المحاذير، فلنأخذ بذكر بعض من تلك المحاذير:
فمنها: أنه طالما ورد إطلاق الكلام ونسبته إليه سبحانه على هذه الحروف المتركبة من الأجزاء المتتالية المتعاقبة المقروءة بالألسن، المسموعة بالآذان، نرى ذلك في قوله تعالى: * (وكلم الله موسى تكليما) * (1)، ونراها أيضا في قوله سبحانه:
* (وكلمه ربه) * (2) ونراها أيضا في قوله عز من قائل: * (حتى يسمع كلام الله) * (3).
نتلو هذه الآيات وأمثالها، أو تتلى علينا، فلا نشك أن المراد من الكلام هو هذه الأصوات والحروف، وأنت ترى أنه أطلق عليها كلام الله ونسبت إليه، فماذا يكون موقفنا أمام هذا الإطلاق إذا رأينا أن كلامه هو الكلام النفسي القائم بذاته، فإذا أردنا أن نقول: إن هذا الإطلاق كان على نحو من المجاز، فسيقول لنا القائل: إن للمجازات