الكلام فيما لا يزال، وأوضح من ذلك أن يقال: إنهم قالوا: إن الكلام النفسي مدلول للكلام اللفظي، ولا يشك ذو عقل أن المدلول لا ينفك عن الدال بحال، فالدال قديم بقدم المدلول، وحيث يلزم قدمه لزم هذا المحذور.
ومنها: لزوم السفه والعبث في كلامه تعالى، وهو الحكيم العليم، ووجه لزوم هذا المحذور هو أن كلامه سبحانه غير خلي عما يعرض كل كلام من الخصوصيات التي تستدعيها خصوصيات المحاورات المختلفة باختلاف مقتضيات الأحوال، ففي كلامه سبحانه أمر، وفي كلامه سبحانه نهي، وفي كلامه سبحانه إخبار واستخبار، وفي كلامه سبحانه نداء، كل هذا وذلك وذاك موجود في كلامه بلا جدال، فماذا - يا ترى - لو وقفنا هاهنا موقف التحليل، ألا نكون إزاء أمرين: ذلك إما قدم الحادث أو لزوم السفه والعبث على الحكيم؟
وتوضيح ذلك: أن الخطابات في الآيات المتضمنة للخطابات كان موجها إلى مخاطب لم يكن موجودا حال الخطاب، فإن التزمنا بوجوده حال الخطاب لزم توجيه الخطاب إلى مخاطب معدوم لا يفهم الخطاب، ولا يتحقق فيه القصد من الخطاب، وهذا هو العبث، وهو المحذور الثاني، لكن يمكن الإجابة على هذا المحذور بأنه إنما يلزم لو وجه خطاب التكليف إلى المعدوم بغرض إيجاد مقتضى التكليف - وهو الامتثال - في حين أنه معدوم، أما لو وجه الخطاب الآن وأوجد على أن يكون تنجز مضامينه بعد الآن، فأي مانع من ذاك؟ فيكون كوضع قانون عام أو نظام يشمل الحاضر الآن والغائب عند الوصول والبلوغ، وعلى حد هذا جرت سائر الأنظمة في التشريعات الوضعية وسائر القوانين.
ومن تلك المحاذير التي تلتقي بها الأشاعرة عند قولهم بقدم الكلام: هو لزوم مخالفة ما ورد في نصوص الكتاب التي لا تقبل التأويل، ووجه ذلك هو: أن الكلام -