التسبيب، إلا الخواص.
ثم إنه (قدس سره) اعترض اعتراضا آخر وأجاب عنه، وهذا نص الاعتراض والجواب:
فإن قلت: قدمت أن خلق الجبال كان في جملة خلق الأرض في اليومين قبل خلق السماوات، إذن فماذا نقول في قوله تعالى في السادسة من الآيات الأخيرة.
ويقصد (قدس سره) بالسادسة من الآيات الأخيرة هي قوله تعالى: * (والجبال أرساها) * (1)؟
قلت: إن إرساء الجبال ليس بمعنى خلقها، بل بمعنى تثبيتها وإعطائها قوة الثبات في محلها حينما يحتاج إلى ذلك بواسطة الصوادم أو حركة الأرض عند دحو الأرض وتقدير أقواتها، إذ كان من ذلك أن أودع في جوفها المواد البخارية والنارية السيارة لتوليد معادنها ونباتها وتصعيد مياهها، فمنح الله تعالى الجبال قوة أرساها فلا تزعزعها وتلاشيها ما قدر الله تعالى خروجه من المواد البخارية والنارية في جوف الأرض لكي تدوم بذلك حكمة خلقها، كما أشرنا إليه في الجزء الأول: صحيفة 380 و 381. وجعلها راسية عندما دحا الأرض بالحركة الوضعية أو الأينية فدبت فيها الحرارة السيارة وتوجهت إلى الخروج من الجبال لهذا أو لأنها لا تنهال بواسطة الحركة وتتزعزع من مكانها، وذلك إما بقوة كافية في ذلك كله أو بأن جعل في طبيعتها الميل إلى مركز الأرض كما تقول الفلسفة القديمة أو بحبسها بإحاطة الهواء الثقيل المطلق كما يقال في الفلسفة الجديدة، * (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا) * (2) ولعله إلى نحو هذه الحركة يشير قوله تعالى: * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شئ إنه