وأما الثالث: فيشكل عليه:
أولا: بأنه ليس هناك تراخي بين الخبرين، لأن ذلك خبر واحد وقع في ضمن حكاية واحدة.
وثانيا: أن التراخي بين الخبرين يتبع التراخي بين الأمرين الواقعين في ضمن الخبرين، وبعبارة أوضح: إن الترتيب والتراخي في الحكاية عن شيئين أو أشياء، يتبع الترتيب والتراخي بين ذات الشيئين والأشياء، وحيث لا ترتيب ولا تراخي بين نفس الشيئين المحكي عنهما، بل الأمر بالعكس، فلا يصح الترتيب والتراخي في الحكاية، ولو جوزنا عكس الترتيب في الحكاية الواقعة في الآية - على ضوء هذا الجواب - لكان ذلك إشكالا آخر في الآية يتطلب الجواب، والجواب الصحيح تعرفه في ضمن الجواب عن الإشكال الآتي عن قريب.
وعلى كل، فقد أجيب عن الإشكال الثاني بأن المقام في الآية الكريمة مقام الاحتجاج عن طريق التمثيل، فكان لزاما في مثله الإتيان بهذا النوع من التعبير، وبعبارة أوضح: هو أنه تعالى أراد بهذا البيان التدليل على القدرة العامة والملازمة التامة بين الإرادة والمراد، وأن المراد لا يختلف عن الإرادة، وهذه القدرة والملازمة دائمتان ثابتتان لا يطرقهما زوال ولا يعرضهما اضمحلال، فلا بد من عبارة تدل على هذا الثبوت، وما هي إلا الفعل المضارع لما فيه من الدلالة على الحال والاستقبال، أما الفعل الماضي فلا كفاية فيه للدلالة على هذا المعنى المقصود، فإنه تعالى لو قال:
كن فكان، فليس فيه إلا الدلالة على أن آدم أو عيسى كان، فقد يكون هذا الكون باتفاق، وقد يكون بملازمة فلا يفيد الفائدة المطلوبة، وعلى كل حال فليس المقام إلا احتجاج وتمثيل، وإلا فليس في حق الواقع وحق الحقيقة قول ولا مقول، إنما هو الإرادة الإلهية التي لا يتخلف عنها المراد.