مع علمه بحقيقتها، وبينهما واسطة، فإن من حصل له التصديق اليقيني (1) في أول الأمر ولم يكن تلفظ بكلمات الإيمان لا يقال له إنه منكر ولا جاحد.
وحينئذ فلا يلزم اجتماع الكفر والإيمان في مثل هذه الصورة، مع أنه غير مقر ولا تارك للاقرار جحدا كما هو المفروض، هذا إن قصد بالآية الدلالة على اعتبار الاقرار أيضا، وإلا لكان اعتبار الاقرار دعوى مجردة، وقد علمت ما عليه.
وأما دلالة الآية الكريمة على كفره في صورة جحده واستيقانه، فنقول بموجبه، لكن ليس لعدم إقراره فقط، بل لأنه ضم إنكارا إلى استيقان.
وبالجملة فهو من جملة العلامات على الحكم بالكفر، كما جعل الاستخفاف بالشارع أو الشرع ووطئ المصحف علامة على الحكم بالكفر، مع أنه قد يكون مصدقا كما سبقت الإشارة إليه.
نعم غاية ما يلزم أن يكون إقرار المصدق شرطا، لحكمنا بإيمانه ظاهرا، وأما قبل ذلك وبعد التصديق، فهو مؤمن عند الله تعالى إذا لم يكن تركه للاقرار عن جحد.
على أنه يلزمه قدس سره أن من حصل له التصديق بالمعارف الإلهية ثم عرض له الموت فجأة قبل الاقرار يموت كافرا ويستحق العذاب الدائم، مع اعتقاده وحدة الصانع وحقية ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله، ولا أظن أن مثل هذا المحقق يلتزم ذلك.
والحاصل أنه إن أراد رحمه الله أن كون الانسان مؤمنا عند الله سبحانه - كما هو ظاهر كلامه - لا يتحقق له إلا بمجموع الأمرين، فالواسطة والالتزام لازمان عليه.
وإن أراد أن كونه مؤمنا في ظاهر الشرع لا يتحقق إلا بالأمرين معا، فالنزاع لفظي، فإن من اكتفى فيه بالتصديق يريد به كونه مؤمنا عند الله تعالى فقط. وأما عند الناس، فلا بد في العلم بذلك من الاقرار ونحوه.