المرتبة.
والقريب وهو الاقتدار على استحضارها النظريات متى شاء من غير افتقار إلى كسب جديد، لكونها مكتسبة مخزونة تحضر بمجرد الالتفات، يسمى عقلا بالفعل لشدة قربه من الفعل.
وأما الكمال وهو أن تحصل النظريات مشاهدة، فيسمى عقلا مستفادا، لأنه استفيد من خارج، أعني: العقل الفعال الذي يخرج النفوس من القوة إلى الفعل بما يفيدها من الكمالات على زعم الحكماء وعلى ما هو الحق، لأنه استفيد من المبدأ الأول واهب العقول والنفوس بقدرته واختياره.
فعلى هذا يكون العقل الهيولاني والعقل بالملكة استعدادات لتحصيل الكمال ابتداءا أعني العقل المستفاد وللعقل بالفعل استعداد استرجاعه واسترداده، فهو متأخر في الحدوث عن العقل المستفاد.
لأن المدرك ما لم يشاهد مراتب كثيرة لا يصير ملكة يقتدر بها على الاستحضار متى شاء، فيتقدم عليه في البقاء، لأن المشاهدة تزول بسرعة، وتبقى ملكة الاستحضار مستمرة، فتوصل بها إلى مشاهدة المدرك مرة أخرى وهكذا، فمن نظر إلى التأخر في الحدوث جعل العقل بالفعل مرتبة رابعة، ومن نظر إلى التقدم في البقاء جعله مرتبة ثالثة.
واعلم أن العقل المستفاد يتصور بالقياس إلى كل مدرك، وقد يتصور بالقياس إلى جميع المدركات دفعة بأن تصير جميعها حاضرة مشاهدة، بحيث لا يغيب شئ منها أصلا.
وهذا إنما يتصور في دار القرار، ومنهم من جوزه في هذه الدار لأهل النفوس القوية القدسية، فكأنهم لشدة انقطاعهم عن الشواغل الدنيوية ونزوعهم عن العلائق البدنية، وتعلقهم بأسباب الوصول إلى مشاهدة جمال كبرياء خالق البرية