وخالفت الأشاعرة كافة العقلاء في هذه المسألة، حيث حكموا بأن الله تعالى يرى للبشر. أما الفلاسفة، والمعتزلة، والإمامية، فإنكارهم لرؤيته ظاهر لا يشك فيه. وأما المشبهة، والمجسمة، فإنهم إنما جوزوا رؤيته تعالى، لأنه عندهم جسم، وهو مقابل للرائي، فلهذا خالفت الأشاعرة باقي العقلاء، وخالفوا الضرورة أيضا (1)، فإن الضرورة قاضية بأن ما ليس يجسم، ولا حال في الجسم، ولا في جهة، ولا مكان، ولا حيز، ولا يكون مقابلا، ولا في حكم المقابل، فإنه لا يمكن رؤيته، ومن كابر في ذلك فقد أنكر الحكم الضروري، وكان في ارتكاب هذه المقابلة سوفسطائيا.
وخالفوا أيضا آيات الكتاب العزيز الدالة على امتناع رؤيته تعالى، قال عز من قائل: " لا تدركه الأبصار " (2) تمدح بذلك، لأنه ذكره بين مدحين، فيكون مدحا، لقبح إدخال ما لا يتعلق بالمدح بين مدحين، فإنه لا يحسن أن يقال: فلان عالم فاضل، يأكل الخبز. زاهد ورع، وإذا مدح بنفي الأبصار له، كان ثبوته له نقصا، والنقص عليه تعالى محال.