وحينئذ لا يبقى علم ولا ظن بشئ من الاعتقادات البتة، ويرتفع الجزم بالشرائع، والثواب والعقاب، وهذا كفر محض.
قال الخوارزمي: حكى قاضي القضاة، عن أبي علي الجبائي: أن المجبر كافر، ومن شك في كفره فهو كافر، ومن شك في كفر من شك في كفره، فهو كافر!!
وكيف لا يكون كذلك، والحال عندهم ما تقدم، وأنه يجوز أن يجمع الله الأنبياء، والرسل، وعباده الصالحين في أسفل درك الجحيم، يعذبهم دائما، ويخلد الكفار والمنافقين، وإبليس وجنوده في الجنة والنعيم أبد الآبدين؟.
وقد كان لهم في ذم غير الله متسع، وفيمن عداه مقنع، وهلا حكى الله اعتذار الكفار في الآخرة: بأنك خلقت فينا الكفر، والعصيان، بل اعترفوا بصدور الذنب عنهم، وقالوا: " ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل " (1)، ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون " (2)، " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت " (3)، " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " (4)، " ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا، فأضلونا السبيلا " (5)، " ربنا آتهم ضعفين من العذاب، والعنهم لعنا كبيرا " (6)، " ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس، نجعلهما تحت أقدامنا، وما أضلنا إلا المجرمون " (7).
ثم إن الشيطان اعترف بأنه استغواهم، وشهد الله تعالى بذلك، فحكى عن الشيطان: " إن الله وعدكم وعد الحق، ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني