وذهب أبو حنيفة إلى أنهم مخاطبون بالإيمان لا غير، وأنهم غير مكلفين بشئ من الشرائع: أصولها، وفروعها (1).
وقد خالف في ذلك العقل والنقل:
أما العقل: فلأن المقتضي لوجوب التكليف هو الزجر عن فعل القبائح، والبعث على فعل الطاعات، واشتماله على اللطف ثابت في حق الكافر، كما هو ثابت في حق المسلم، فيجب اشتراكهما في المعلول.
وأما النقل: فقوله تعالى: " وويل للمشركين، الذين لا يؤتون الزكاة (2) وقوله تعالى: " فلا صدق ولا صلى، ولكن كذب وتولى " (3)، وقوله تعالى: " ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين " (4)، وقال تعالى: " ومن يفعل ذلك يلق أثاما " (5)، وأشار إلى ما تقدم من الشرك وقتل النفس، والزنا.
ولأنه لو كان حصول الشرط الشرعي شرطا في التكليف، لم يجب الصلاة على المحدث، ولا قبل النية، ولا أكبر قبل الله، ولا اللام قبل الهمزة.
وذلك معلوم البطلان بالإجماع.
ولزم أيضا أن لا يعصي أحد، ولا يفسق، لأن التكليف مشروط بالإرادة، والفاسق والعاصي لا يريدان الطاعة، فلا يكونان مكلفين بهما، فينتفي الفسق والعصيان والكفر، وهو باطل بالإجماع.