حتى ليتلذذون بالكذب، وقد رضوا لأنفسهم أن يصبحوا دمى في أيدي الذين يتعاملون على أساس الكذب، والدجل فهم سماعون للكذب، سماعون لقوم آخرين. من دون تعقل وتدبر، أو تفكير وتأمل.
والصفة الثانية، التي نعى سبحانه وتعالى عليهم اتصافهم بها هي:
حبهم للمال، وتفانيهم في سبيله، ولكنه المال الذي لا يحصل عليه الانسان بالطرق المشرقة والمشروعة، وإنما يرتكب من اجله ما يسحت دينه ومروءته، ويلزمه العار، ليكون (سحتا) حسبما ورد في تفسير السحت (1).
وهذا يدلل على مدى الانحطاط والمهانة، والرذالة في شخصيتهم، وفي إنسانيتهم، حتى ليصح أن يقال: إنهم أصبحوا موجودات ممسوخة، لا تملك شيئا من الميزات والخصائص الانسانية على الاطلاق.
فالمهم لدى هؤلاء هو الدنيا، والحصول على زخرفها، من أي طريق كان، وبأية وسيلة كانت، حتى لو كان ثمن ذلك هو دينهم، ومروءتهم ولزوم العار الدائم لهم.
ولعل هذا هو ما سهل على الآخرين أن يسخروهم لارادتهم حتى ليصبحون أدوات طيعة في أيديهم، فإن حبهم العظيم للمال، وتفانيهم في سبيل الحصول عليه قد أعمى بصائرهم، وسلبهم عقولهم وأعماهم والمستغلين، إذ قد أصبح المال والدنيا بالنسبة إليهم هو كل شئ، وليس قبله ولا بعده شئ، فهو المعيار لهم في كل موقف، وليست هي المبادئ الإلهية، والمثل والقيم الانسانية.
وإن هذين الامرين أعني: قلة عقولهم، وصيرورتهم أدوات طيعة مسلوبة الاختيار بأيدي الطامعين والمفسدين.