فذكرت له حاجتي ومالي وما لقيت من هذا الظالم، فقام معي فحين عاينه الأمير قام إليه وأكرمه واحترمه وبادر إلى قضاء حقي الذي عليه فأعطانيه كاملا من غير أن يكون منه إلى الأمير كبير أمر، غير أنه قال له: ادفع إلى هذا الرجل حقه وإلا أذنت. فتغير لون الأمير ودفع إلي حقي.
قال التاجر: فعجبت من ذلك الخياط مع رثاثة حاله وضعف بنيته كيف انطاع ذلك الأمير له، ثم إني عرضت عليه شيئا من المال فلم يقبل مني شيئا، وقال: لو أردت هذا لكان لي من الأموال مالا يحصى. فسألته عن خبره وذكرت له تعجبي منه وألححت عليه فقال: إن سبب ذلك أنه كان عندنا في جوارنا أمير تركي من أعالي الدولة، وهو شاب حسن، فمر به ذات يوم امرأة حسناء قد خرجت من الحمام وعليها ثياب مرتفعة ذات قيمة، فقام إليها وهو سكران فتعلق بها يريدها على نفسها ليدخلها منزله، وهي تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها: يا مسلمين أنا امرأة ذات زوج، وهذا رجل يريدني على نفسي ويدخلني منزله، وقد حلف زوجي بالطلاق أن لا أبيت في غير منزله، ومتى بت هاهنا طلقت منه ولحقني بسبب ذلك عار لا تدحضه الأيام ولا تغسله المدامع. قال الخياط: فقمت إليه فأنكرت عليه وأردت خلاص المرأة من يديه فضربني بدبوس في يده فشج رأسي، وغلب المرأة على نفسها وأدخلها منزله قهرا، فرجعت أنا فغسلت الدم عني وعصبت رأسي وصليت بالناس العشاء ثم قلت للجماعة: إن هذا قد فعل ما قد علمتم فقوموا معي إليه لننكر عليه ونخلص المرأة منه، فقام الناس معي فهجمنا عليه داره فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيديهم العصي والدبابيس يضربون الناس، وقصدني هو من بينهم فضربني ضربا شديدا مبرحا حتى أدماني، وأخرجنا من منزله ونحن في غاية الإهانة، فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع وكثرة الدماء، فنمت على فراشي فلم يأخذني نوم، وتحيرت ماذا أصنع حتى أنقذ المرأة من يده في الليل لترجع فتبيت في منزلها حتى لا يقع على زوجها الطلاق، فألهمت أن أؤذن الصبح في أثناء الليل لكي يظن أن الصبح قد طلع فيخرجها منزله فتذهب إلى منزل زوجها، فصعدت المنارة وجعلت أنظر إلى باب داره وأنا أتكلم على عادتي قبل الاذان هل أرى المرأة قد خرجت ثم أذنت فلم تخرج، ثم صممت على أنه إن لم تخرج أقمت الصلاة حتى يتحقق الصباح، فبينا أنا أنظر هل تخرج المرأة أم لا، إذ امتلأت الطريق فرسانا ورجالة وهم يقولون: أين الذي أذن هذه الساعة؟ فقلت: ها أنا ذا، وأنا أريد أن يعينوني عليه، فقالوا: انزل، فنزلت فقالوا: أجب أمير المؤمنين، فأخذوني وذهبوا بي لا أملك من نفسي شيئا، حتى أدخلوني عليه، فلما رأيته جالسا في مقام الخلافة ارتعدت من الخوف وفزعت فزعا شديدا، فقال:
أدن، فدنوت فقال لي: ليسكن ورعك وليهدأ قلبك. وما زال يلاطفني حتى اطمأننت وذهب خوفي، فقال: أنت الذي أذنت هذه الساعة؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. فقال: ما حملك على أن أذنت هذه الساعة، وقد بقي من الليل أكثر مما مضى منه؟ فتغر بذلك الصائم والمسافر والمصلي وغيرهم. فقلت:
يؤمنني أمير المؤمنين حتى أقص عليه خبري؟ فقال. أنت آمن. فذكرت له القصة. قال: فغضب غضبا شديدا، وأمر بإحضار ذلك الأمير والمرأة من شاعته على أي حالة كانا فأحضر سريعا فبعث