ابن خزيمة محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي، مولى محسن بن مزاحم الإمام أبو بكر بن خزيمة الملقب بإمام الأئمة، كان بحرا من بحور العلم، طاف البلاد ورحل إلى الآفاق في الحديث وطلب العلم، فكتب الكثير وصنف وجمع، وكتابه الصحيح من أنفع الكتب وأجلها، وهو من المجتهدين في دين الاسلام، حكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية عنه أنه قال: ما قلدت أحدا منذ بلغت ستة عشر سنة، وقد ذكرنا له ترجمة مطولة في كتابنا طبقات الشافعية. وهو أحد المحمدين الذين أرملوا بمصر ثم رزقهم الله ببركة صلاته. وقد ذكرنا نحو ذلك في ترجمة الحسن بن سفيان. وفيها توفي محمد بن زكريا الطبيب (1) صاحب المصنف الكبير في الطب.
ثم دخلت سنة ثنتي عشرة وثلاثمائة في المحرم منها اعترض القرمطي أبو طاهر الحسين بن أبي سعيد الجنابي لعنه الله، ولعن أباه.
للحجيج وهم راجعون من بيت الله الحرام، قد أدوا فرض الله عليهم، فقطع عليهم الطريق فقاتلوه دفعا عن أموالهم وأنفسهم وحريمهم، فقتل منهم خلقا كثيرا لا يعلمهم إلا الله، وأسر من نسائهم وأبنائهم ما اختاره، واصطفى من أموالهم ما أراد، فكان مبلغ ما أخذه من الأموال ما يقاوم ألف ألف دينار، ومن الأمتعة والمتاجر نحو ذلك، وترك بقية الناس بعد ما أخذ جمالهم وزادهم وأموالهم ونساءهم وأبناءهم على بعد الديار في تلك الفيافي والبرية بلا ماء ولا زاد ولا محمل. وقد جاحف عن الناس نائب الكوفة أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان فهزمه وأسره. إنا لله وإنا إليه راجعون. وكان عدة من مع القرمطي ثمانمائة مقاتل، وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة قصمه الله. ولما انتهى خبرهم إلى بغداد قام نساؤهم وأهاليهم في النياحة ونشرن شعورهن ولطمن خدودهن، وانضاف إليهم نساء الذين نكبوا على يد الوزير وابنه، وكان ببغداد يوم مشهود بسبب ذلك في غاية البشاعة والشناعة، فسأل الخليفة عن الخبر فذكروا له أنهم نسوة الحجيج ومعهن نساء الذي صادرهم ابن الفرات، وجاءت على يد الحاجب نصر بن القشوري على الوزير فقال: يا أمير المؤمنين إنما استولى هذا القرمطي على ما استولى عليه بسبب إبعادك مؤنس الخادم المظفر، فطمع هؤلاء في الأطراف، وما أشار عليك بإبعاده إلا ابن الفرات، فبعث الخليفة إلى ابن الفرات يقول له: إن الناس يتكلمون فيك لنصحك إياي، وأرسل يطيب قلبه، فركب هو وولده إلى الخليفة فدخلا عليه فأكرمهما وطيب قلوبهما، فخرجا من عنده فنالهما أذى كثير من نصر الحاجب وغيره من كبار الأمراء، وجلس الوزير في .