اذهب فخذ ثلاثة آلاف درهم وعشرة أثواب وادفعها له فإن قبلها جئني برأسه، قال الحاجب: فجئته فقلت: هذا أرسل به الملك إليك. فقال: لا حاجة لي به، هذه ثيابي من عهد أبي منذ أربعين سنة كلما خرجت إلى الناس لبستها، فإذا رجعت طويتها، ولي دار آكل من أجرتها تركها لي أبي، فأنا في غنية عما أرسل به الملك. فقلت: فرقها في فقراء أهلك. فقال: فقراء أهله أحق بها من فقراء أهلي، وأفقر إليها منهم. فرجعت إلى الملك لأشاوره وأخبره بما قال، فسكت ساعة ثم قال: الحمد لله الذي سلمه منا وسلمنا منه. ثم إن عضد الدولة أخذ ابن بقية الوزير لعز الدولة فأمر به فوضع بين قوائم الفيل فتخبطته بأرجلها حتى هلك، ثم صلب على رأس الجسر في شوال منها، فرثها أبو الحسين بن الأنباري بأبيات يقول فيها:
علو في الحياة وفي الممات * بحق أنت (1) إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا * وفود نداك أيام الصلات كأنك واقف (2) فيهم خطيبا * وكلهم وقوف (2) للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاء * كمدهما إليهم بالهباء (3) وهي قصيدة طويلة أورد كثيرا منها ابن الأثير في كامله.
مقتل عز الدين بختيار لما دخل عضد الدولة بغداد وتسلمها خرج منها بختيار ذليلا طريدا في فل من الناس، ومن عزمه أن يذهب إلى الشام فيأخذها، وكان عضد الدولة قد حلفه أن لا يتعرض لأبي تغلب لمودة كانت بينهما ومراسلات، فحلف له على ذلك، وحين خرج من بغداد كان معه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان فحسن لعز الدولة أخذ بلاد الموصل من أبي تغلب، لأنها أطيب وأكثر مالا من الشام وأقرب إليه، وكان عز الدولة ضعيف العقل قليل الدين، فلما بلغ ذلك أبا تغلب أرسل إلى عز الدولة يقول له: لئن أرسلت إلى ابن أخي حمدان بن ناصر الدولة أغنيتك بنفسي وجيشي حتى آخذ لك ملك بغداد من عضد الدولة، وأردك إليها. فعند ذلك أمسك حمدان وأرسله إلى عمه أبي تغلب فسجنه في بعض القلاع وبلغ ذلك عضد الدولة وأنهما قد اتفقا على حربه فركب إليهما بجيشه وأراد إخراج الخليفة الطائع معه فاستعفاه فأعفاه، فذهب إليهما فالتقى معهما فكسرهما وهزمهما (4)، وأخذ عز .