الوجد من المشار إليه لا غير، وفي الحقيقة أن الإشارة تصححها العلل، والعلل بعيدة من غير الحقائق. وقال: من الاغترار أن تسئ فيحسن إليك، فتترك الإنابة والتوبة توهما أنك تسامح في الهفوات، وترى أن ذلك من بسط الحق لك. وقال تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق فألقيت إليها الأسامي، فركنت إليها مشغوفة بها عن الذات إلى أوان التجلي، فذلك قوله (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) [الأعراف: 180] فوقفوا معها عن إدراك الحقائق، فأظهر الأسامي وأبداها للخلق، لتسكين شوق المحبين إليه، وتأنيس قلوب العارفين به. وقال: لا رضى لمن لا يصبر، ولا كمال لمن لا يشكر. وبالله وصل العارفون إلى محبته وشكروه على نعمته. وقال: إن المشتاقين إلى الله يجدون حلاوة الشوق عند ورود المكاشف لهم عن روح الوصال إلى قربه أحلى من الشهد. وقال: من رزق ثلاثة أشياء فقد سلم من الآفات: بطن جائع معه قلب قانع، وفقر دائم معه زهد حاضر، وصبر كامل معه قناعة دائمة. وقال: في اكتساب الدنيا مذلة النفوس، وفي اكتساب الآخرة عزها، فيا عجبا لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى على العز في طلب ما يبقى. ومن شعره:
لو مضى الكل مني لم يكن عجبا * وإنما عجبي في البعض كيف بقي أدرك بقية روح منك قد تلفت * قبل الفراق فهذا آخر الرمق محمد بن إسماعيل (1) المعروف بخير النساج أبو الحسن الصوفي، من كبار المشايخ ذوي الأحوال الصالحة، والكرامات المشهورة. أدرك سريا السقطي وغيره من مشايخ القوم، وعاش مائة وعشرين سنة. ولما حضرته والوفاة نظر إلى زاوية البيت فقال: قف رحمك الله، فإنك عبد مأمور وأنا عبد مأمور، وما أمرت به لا يفوت وما أمرت به يفوت. ثم قام وتوضأ وصلى وتمدد رحمه الله. وقد رآه بعضهم في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال استرحنا من دنياكم الوخيمة (2).
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة فيها أحضر ابن شنبوذ (3) المقري فأنكر عليه جماعة من الفقهاء والقراء حروفا انفرد بها فاعترف ببعضها وأنكر بعضها، فاستتيب من ذلك واستكتب خطه بالرجوع عما نقم عليه، وضرب سبع درر بإشارة الوزير أبي علي بن مقلة، ونفي إلى البصرة. فدعا علي الوزير أن تقطع يده ويشتت شمله، .