ذلك وله كرامات وأحوال وصبر على الشدائد، وروى عن إبراهيم بن بشار صاحب إبراهيم بن أدهم وغيره وعنه علي بن محمد المصري وجماعة. ومن جيد كلامه إذا بكت أعين الخائفين فقد كاتبوا الله بدموعهم. وقال: العافية تستر البر والفاجر، فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال. وقال: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل. وقال: الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت حاضر. وقال ذنوب المقربين حسنات الأبرار. وقال: الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا مع القضاء تسليم. وقد روى البيهقي بسنده إليه أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها " فقال يا عجبا لمن لم ير محسنا غير الله كيف لا يميل إليه بكليته؟ قلت: وهذا الحديث ليس بصحيح، ولكن كلامه عليه من أحسن ما يكون. وقال ابنه سعيد: طلبت من أبي دانق فضة فقال: يا بني اصبر فلو أحب أبوك أن يركب الملوك إلى بابه ما تابوا عليه. وروى ابن عساكر عنه قال: أصابني مرة جوع شديد فهممت أن أسأل الله طعاما فقلت: هذا ينافي التوكل فهممت أن أسأله صبرا فهتف بي هاتف يقول:
ويزعم أنه منا قريب * وأنا لا نضيع من أتانا ويسألنا القرى جهدا وصبرا * كأنا لا نراه ولا يرانا قال فقمت ومشيت فراسخ بلا زاد. وقال: المحب يتعلل إلى محبوبه بكل شئ، ولا يتسلى عنه بشئ يتبع آثاره ولا يدع استخباره ثم أنشد:
أسائلكم عنها فهل من مخبر * فما لي بن عمي بعد مكة لي علم فلو كنت أدري أين خيم أهلها * وأي بلاد الله إذ ظعنوا أموا إذا لسلكنا مسلك الريح خلفها * ولو أصبحت نعمى ومن دونها النجم وكانت وفاته في هذه السنة، وقيل في سنة سبع وأربعين، وقيل في سنة ست وثمانين، والأول أصح وفيها توفي عيسى بن عبد الله بن سنان بن ذكويه بن موسى الطيالسي الحافظ، تلقب رعاب، سمع عفان وأبا نعيم، وعنه أبو بكر الشافعي وغيره، ووثقه الدارقطني. كانت وفاته في شوال منها عن أربع وثمانين سنة. وفيها توفي:
أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الحنظلي الرازي، أحد أئمة الحفاظ الاثبات العارفين بعلل الحديث والجرح والتعديل، وهو قرين أبي زرعة رحمهما الله، سمع الكثير وطاف الأقطار والأمصار، وروى عن خلق من الكبار، وعنه خلق منهم الربيع بن سليمان، ويونس بن عبد الاعلى وهما أكبر منه، وقدم بغداد وحدث بها، وروى عنه من أهلها إبراهيم الحربي وابن أبي الدنيا والمحاملي وغيرهم. قال لابنه عبد الرحمن: يا بني مشيت على قدمي في طلب الحديث.